الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              789 [ ص: 270 ] (باب قدر ما يستر المصلي ) .

                                                                                                                              وقال النووي: (باب سترة المصلي، والندب إلى الصلاة إلى سترة، والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور، ودفع المار، وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة، والأمر بالدنو من السترة. وبيان قدر السترة، وما يتعلق بذلك.

                                                                                                                              (حديث الباب ) .

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 226-227 ج 4 المطبعة المصرية .

                                                                                                                              [عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود".

                                                                                                                              قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان"
                                                                                                                              .] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي ذر ) ، رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا [ ص: 271 ] قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل". ) .

                                                                                                                              وفي رواية: "مثل مؤخرة الرحل" بضم الميم وكسر الخاء، وهمزة ساكنة.

                                                                                                                              ويقال: بفتح الخاء، مع فتح الهمزة، وتشديد الخاء، ومع إسكان الهمزة، وتخفيف الخاء.

                                                                                                                              ويقال: "آخرة الرحل". بهمزة ممدودة، وكسر الخاء.

                                                                                                                              فهذه أربع لغات وهي: العود الذي في آخر الرحل.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث "الندب" إلى السترة بين يدي المصلي. وبيان أن أقل السترة: مؤخرة الرحل.

                                                                                                                              وهي: قدر عظم الذراع. وهو نحو ثلثي ذراع.

                                                                                                                              ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه هكذا.

                                                                                                                              والحكمة فيها: كف البصر عما وراءه، ومنع من يجتاز بقربه.

                                                                                                                              واستدل عياض بهذا الحديث، على أن الخط بين يدي المصلي لا يكفي. وإن كان قد جاء به حديث. وأخذ به أحمد بن حنبل؛ فهو ضعيف.

                                                                                                                              واختلف فيه.

                                                                                                                              فقيل: يكون مقوسا، كهيئة المحراب.

                                                                                                                              وقيل: قائما بين يدي المصلي إلى القبلة.

                                                                                                                              وقيل: من جهة يمينه إلى شماله.

                                                                                                                              قال: ولم ير مالك، ولا عامة الفقهاء الخط. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 272 ] قال النووي: وحديث الخط رواه أبو داود. وفيه ضعف، واضطراب. انتهى.

                                                                                                                              قلت: أخرجه الشافعي في القديم، وابن حبان، والبيهقي، وأحمد، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، وأحمد، وابن المديني، فيما نقله ابن عبد البر في الاستذكار.

                                                                                                                              وأشار سفيان بن عيينة، والشافعي، والبغوي، وغيرهم، إلى ضعفه.

                                                                                                                              وقال الحافظ في "بلوغ المرام": ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن. انتهى.

                                                                                                                              قلت: الزاعم هو ابن الصلاح وتابعه النووي.

                                                                                                                              وقد نازعه الحافظ في "النكت".

                                                                                                                              قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في "ترجمة المشكاة": وقد قال به، أي بجواز "الخط" بعض المتأخرين من مشائخ الحنفية أيضا. انتهى.

                                                                                                                              وبسط الكلام في هذه المسألة في كتابنا "مسك الختام، شرح بلوغ المرام" فراجعه.

                                                                                                                              ثم قال النووي: واختلف قول الشافعي فيه.

                                                                                                                              فاستحبه في "سنن حرملة"، وفي "القديمه" ونفاه في "البويطي".

                                                                                                                              وقال جمهور أصحابه: باستحبابه.

                                                                                                                              [ ص: 273 ] وليس في حديث "مؤخرة الرحل" دليل على بطلان الخط. والله أعلم.

                                                                                                                              "فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود".

                                                                                                                              اختلف أهل العلم في ذلك. فقال بعضهم: يقطع هؤلاء.

                                                                                                                              وقال الإمام أحمد: يقطعها الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار، والمرأة، شيء.

                                                                                                                              قال النووي: ووجه قوله: أن الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شيء، يعارض هذا الحديث.

                                                                                                                              وأما المرأة، ففيها حديث عائشة المذكور بعد هذا. وفي "الحمار" حديث ابن عباس عند مسلم.

                                                                                                                              وقال الجمهور من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء، ولا من غيرهم.

                                                                                                                              وتأولوا الحديث، على أن المراد بالقطع، نقص الصلاة، لشغل القلب بهذه الأشياء. وليس المراد إبطالها.

                                                                                                                              [ ص: 274 ] ومنهم من يدعي نسخه بالحديث الآخر: "لا يقطع: صلاة المرء شيء، وادرءوا ما استطعتم".

                                                                                                                              وهذا غير مرضي، لأن النسخ لا يصار إليه، إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث، وتأويلها، وعلمنا التاريخ. وليس هنا تاريخ، ولا تعذر الجمع والتأويل. بل يتأول على ما ذكرناه.

                                                                                                                              مع أن حديث: "لا يقطع صلاة المرء شيء" ضعيف، والله أعلم.

                                                                                                                              (قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود، من الكلب الأحمر، من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سألتني، فقال: "الكلب الأسود شيطان" . ) .

                                                                                                                              وفيه" دليل لمذهب أحمد، كما تقدم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية