الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            66 - طلوع الثريا بإظهار ما كان خفيا

            بسم الله الرحمن الرحيم

            الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .

            مسألة : فتنة الموتى في قبورهم سبعة أيام ، أوردها غير واحد من الأئمة في كتبهم ، فأخرجها الإمام أحمد بن حنبل في " كتاب الزهد " ، والحافظ أبو الأصبهاني في كتاب " الحلية " بالإسناد إلى طاوس أحد أئمة التابعين ، وأخرجها ابن جريج في مصنفه بالإسناد إلى عبيد بن عمير ، وهو أكبر من طاوس في التابعين ، بل قيل : إنه صحابي ، وعزاها الحافظ زين الدين بن رجب في كتاب " أهوال القبور " إلى مجاهد وعبيد بن عمير ، فحكم هذه الروايات الثلاث حكم المراسيل المرفوعة على ما يأتي تقريره ، وفي رواية عبيد بن عمير زيادة أن المنافق يفتن أربعين صباحا . وهذه الرواية بهذه الزيادة أوردها الحافظ أبو عمر بن عبد البر في " التمهيد " ، والإمام أبو علي الحسين بن رشيق المالكي في " شرح الموطأ " ، وحكاه الإمام أبو زيد عبد الرحمن الجزولي من المالكية في " الشرح الكبير " على رسالة الإمام أبي محمد بن أبي زيد ، والإمام أبو القاسم بن عيسى بن ناجي من المالكية [ ص: 216 ] في " شرح الرسالة " أيضا وأورد الرواية الأولى ، والشيخ كمال الدين الدميري من الشافعية في " حياة الحيوان " ، وحافظ العصر أبو الفضل بن حجر في المطالب العالية .

            ذكر الرواية المسندة عن طاوس : قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في " كتاب الزهد " له : حدثنا هاشم بن القاسم قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان قال : قال طاوس : إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا ، فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام .

            قال الحافظ أبو نعيم في " الحلية " : حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا أبي ، ثنا هاشم ، ثنا الأشجعي ، عن سفيان قال : قال طاوس : إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا ، فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام .

            ذكر الرواية المسندة عن عبيد بن عمير : قال ابن جريج في مصنفه ، عن الحارث بن أبي الحارث ، عن عبيد بن عمير قال : يفتن رجلان مؤمن ومنافق ، فأما المؤمن فيفتن سبعا ، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا . الكلام على هذا من وجوه :

            الوجه الأول : رجال الإسناد الأول رجال الصحيح ، وطاوس من كبار التابعين ، قال أبو نعيم في الحلية : هو أول الطبقة من أهل اليمن ، وروى أبو نعيم عنه أنه قال : أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى غيره عنه قال : أدركت سبعين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            قال ابن سعد : كان له يوم مات بضع وتسعون سنة .

            وسفيان هو الثوري ، وقد أدرك طاوسا ، فإن وفاة طاوس سنة بضع عشرة ومائة في أحد الأقوال ، ومولد سفيان سنة سبع وتسعين ، إلا أن أكثر روايته عنه بواسطة . والأشجعي اسمه عبيد الله بن عبيد الرحمن ، ويقال : ابن عبد الرحمن .

            وأما الإسناد الثاني فعبيد بن عمير ، هو الليثي قاص أهل مكة ، قال مسلم بن الحجاج صاحب " الصحيح " : إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

            قال غيره : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا يكون صحابيا ، وكان يقص بمكة على عهد عمر بن الخطاب ، وهو أول من قص بها . وكانت وفاته قبل وفاة ابن عمر .

            وأما الحارث فهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذياب الدوسي ، روى له البخاري في خلق أفعال العباد ، ومسلم في صحيحه . وروى عنه ابن جريج والدراوردي وغيرهما ، وأما ابن جريج فهو الإمام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي ، قال أحمد بن حنبل : هو أول من صنف الكتب .

            وقال ابن عيينة : سمعت ابن [ ص: 217 ] جريج يقول : ما دون العلم تدويني أحد .

            روى عن خلق من التابعين ، ومات سنة تسع وأربعين ومائة ، وقد جاوز المائة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية