الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب جناية البهيمة والجناية عليها وغير ذلك ) لما فرغ رحمه الله تعالى من بيان أحكام جناية الإنسان شرع في بيان جناية البهيمة ولا شك في تقدم جناية الإنسان على البهيمة كذا في النهاية ويرد عليه أنه لم يفرغ من بيان جناية الإنسان مطلقا بل بقي منها جناية المملوك ولا شك أنه من الإنسان فيقدم على البهيمة وكان من حقه أن يقدم على جناية البهيمة كذا في غاية البيان قال رحمه الله ( ضمن الراكب ما أوطأت دابته بيد ورجل أو رأس أو كدمت أو خبطت أو صدمت لا ما نفحت برجل أو ذنب إلا إذا أوقفها في الطريق ) والأصل في هذا الباب أن المرور في طريق المسلمين مباح بشرط السلامة ; لأنه تصرف في حقه وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا بين كل الناس إذ الإباحة مقيدة بالسلامة ، والاحتراز عن الإيطاء والكدم والصدم والخبط ممكن ; لأنه ليس من ضرورة السير وقيدناه بشرط السلامة وفي العيني على الهداية الكدم بمقدم الإنسان والخبط باليد والصدم هو أن تطلب الشيء بجسدك ، ولا يمكن الاحتراز عن النفحة أيضا ; لأنه يمكن الاحتراز عن الإيقاف وهو المراد بقوله إلا إذا أوقفها في الطريق أطلق فيما ذكره وهو مقيد بأن يكون في غير ملكه .

                                                                                        أما إذا كان في ملكه لا يضمن إلا في الإيطاء وهو راكبها ; لأنه فعل منه مباشرة حتى يحرم به عن الميراث ، وتجب عليه الكفارة بشرط التعدي فصار كحفر البئر وفي المباشرة لا يشترط ذلك ، وإن كان ذلك في ملك غيره ، فإن كان غيره تسبب فيه بإذن مالكه فهو كما لو كان في ملكه ، فإن كان

                                                                                        [ ص: 407 ] بغير إذن مالكه فإن دخلت الدابة من غير أن يدخلها مالكها ولم يكن معها لم يضمن شيئا ، فإن أدخلها هو ضمن الجميع سواء كان معها أو لم يكن معها لوجود التعدي بالإدخال في ملك الغير ، والملك المشترك كملكه الخاص به فيما ذكرنا من الأحكام والمسجد كالطريق فيما ذكرناه من الأحكام ولو جعل الإمام موضعا لوقوف الدواب عند باب المسجد فلا ضمان فيما يحدث من الوقوف فيه وكذا إيقاف الدواب في سوق الدواب ; لأنه مأذون فيه من جهة السلطان وكذا إذا أوقفها في طريق متسعة لا يضر وقوفها بالناس فلا يحتاج فيه إلى إذن الإمام بخلاف ما إذا كانت غير متسعة وفي الخلاصة دابة مربوطة في غير ملكه ، فإن ذهب وحل الرباط فقد زالت الجناية فما عطب به من ذلك فهو هدر فلو جالت الدابة في رباطها فما أصاب شيئا وأتلفه فهو مضمون سواء ضربت بيدها أو برجلها أو برأسها فلو ربطها في مكان فذهبت إلى مكان آخر فما أصابت في ذلك المكان فهو هدر وفيها أيضا الراكب إذا كانت الدابة تسير به فنخسها رجل فألقت الراكب إن كان الراكب أذن له في النخس لا يجب على الناخس شيء ، وإن كان بغير إذنه ضمن الدية ، وإن ضربت الناخس فمات فدمه هدر ، وإن أصابت رجلا آخر بالذنب أو الرجل أو كيفما أصابت إن كان بغير إذن الراكب فالضمان على الناخس ، وإن كان بإذنه فالضمان عليهما إلا في النفحة بالرجل أو الذنب ، فإنه جبار إلا إذا كان الراكب واقفا بغير ملكه فأمر رجلا فنخسها فنفحت برجلها فالضمان عليهما .

                                                                                        وإن كان بغير إذنه فالضمان على الناخس ولا كفارة عليه فيما نفحت برجلها قال عامة الشراح نفحت الدابة إذا ضربت بحافرها قال في النهاية ومثل هذا في الصحاح والمغرب واقتفى أثره صاحب الكفاية ومعراج الدراية أقول : كون المذكور في الصحاح كذا ممنوع إذا لم يعتبر فيه كون الضرب بحد الحافر بل قال فيه ونفحت الناقة ضربت برجلها ثم أقول : بقي إشكال في عبارة الكتاب وهو أن الذي يظهر مما ذكر في كتب اللغة ومما ذكره الشراح هاهنا أن لا تكون النفحة إلا بالرجل فيلزم أن لا يصح قوله ولا يضمن بالنفحة ما نفحت برجلها أو ذنبها ; لأنه يقتضي أن تكون النفحة بالذنب أيضا بل يلزم أيضا استدراك قوله برجلها ; لأن الضرب بالرجل كان داخلا في مفهوم النفحة لا يقال ذكر الرجل محمول على التأكيد وذكر الذنب على التحديد ; لأنا نقول اعتبار التأكيد والتحديد معا بالنظر إلى كلمة واحدة في موضع واحد متعذر للتنافي بينهما كما لا يخفى على الفطن بل التأويل الصحيح أن تحمل النفحة المذكورة في عبارة الكتاب على مطلق الجمع بطريق عموم المجاز فيصح ذكر الرجل والذنب كليهما بلا إشكال فتأمل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية