الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) وفيه مسألتان : [ ص: 160 ]

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قراءة العامة " يعذب " و " يوثق " بكسر العين فيهما ، قال مقاتل : معناه : فيومئذ لا يعذب عذاب الله أحد من الخلق ولا يوثق وثاق الله أحد من الخلق ، والمعنى لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب والوثاق ، قال أبو عبيدة : هذا التفسير ضعيف لأنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله فكيف يقال : لا يعذب أحد في مثل عذابه ، وأجيب عن هذا الاعتراض من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن التقدير لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله الكافر يومئذ ، ولا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله الكافر يومئذ ، والمعنى : مثل عذابه ووثاقه في الشدة والمبالغة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن المعنى لا يتولى يوم القيامة عذاب الله أحد ، أي : الأمر يومئذ أمره ولا أمر لغيره .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : وهو قول أبي علي الفارسي : أن يكون التقدير لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه ، فالضمير في عذابه عائد إلى الإنسان ، وقرأ الكسائي : لا يعذب ولا يوثق بفتح العين فيها واختاره أبو عبيدة ، وعن أبي عمرو أنه رجع إليها في آخر عمره ، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأهما بالفتح ، والضمير للإنسان الموصوف ، وقيل : هو أبي بن خلف ولهذه القراءة تفسيران :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه ، لتناهيه في كفره وفساده .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يعذب أحد من الناس عذاب الكافر ، كقوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] قال الواحدي وهذه أولى الأقوال .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : العذاب في القراءتين بمعنى التعذيب والوثاق بمعنى الإيثاق ، كالعطاء بمعنى الإعطاء في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                            أكفرا بعد رد الموت عن وبعد عطائك المائة الرتاعا



                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية