الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 99 ] قوله تعالى: من الذين هادوا قال مقاتل: نزلت في رفاعة بن زيد ، ومالك ابن الضيف ، وكعب بن أسيد ، وكلهم يهود . وفي "من" قولان ذكرهما الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها من صلة الذين أوتوا الكتاب ، فيكون المعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها مستأنفة ، فالمعنى: من الذين هادوا قوم يحرفون ، فيكون قوله: يحرفون ، صفة ، ويكون الموصوف محذوفا ، وأنشد سيبويه:


                                                                                                                                                                                                                                      وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح



                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: فمنهما تارة أموت فيها ، قال أبو علي الفارسي: والمعنى: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا ، أي: إن الله ينصر عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما "التحريف" ، فهو التغيير . و"الكلم": جمع كلمة . وقيل: إن "الكلام" مأخوذ من "الكلم" ، وهو الجرح الذي يشق الجلد واللحم ، فسمي الكلام كلاما ، لأنه يشق الأسماع بوصوله إليها ، وقيل: بل لتشقيقه المعاني المطلوبة في أنواع الخطاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى تحريفهم الكلم قولان . أحدهما: أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء ، فإذا خرجوا ، حرفوا كلامه ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه تبديلهم التوراة قاله مجاهد . [ ص: 100 ] قوله تعالى: عن مواضعه أي: عن أماكنه ووجوهه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ويقولون سمعنا وعصينا قال مجاهد: سمعنا قولك ، وعصينا أمرك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: واسمع غير مسمع فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن معناه: اسمع لا سمعت ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن معناه: اسمع غير مقبول ما تقول ، قاله الحسن ، ومجاهد . وقد تقدم في (البقرة) معنى: وراعنا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ليا بألسنتهم قال قتادة: "اللي": تحريك ألسنتهم بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قتيبة: معنى "ليا بألسنتهم": أنهم يحرفون "راعنا" عن طريق المراعاة ، والانتظار إلى السب بالرعونة . قال ابن عباس : لكان خيرا لهم مما بدلوا ، و(أقوم) أي: أعدل ، ولكن لعنهم الله بكفرهم بمحمد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فلا يؤمنون إلا قليلا فيه قولان . أحدهما: فلا يؤمن منهم الا قليل ، وهم عبد الله بن سلام ، ومن تبعه ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 101 ] والثاني: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، قاله قتادة ، والزجاج . قال مقاتل: وهو اعتقادهم أن الله خلقهم ورزقهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية