الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن اغتسل وهو محدث من غير ترتيب ونوى الغسل ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه يجزئه لأنه إذا جاز ذلك عن الحدث الأعلى فلأن يجوز عن الحدث الأدنى أولى ( والثاني ) : لا يجزئه وهو الأصح لأنه يسقط ترتيبا واجبا بفعل ما ليس بواجب ) .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 475 ] الشرح ) إذا غسل المحدث جميع بدنه بنية الغسل كما ذكره المصنف وغيره أو بنية الطهارة كما ذكره القاضي أبو الطيب وصاحبه ابن الصباغ ، أو بنية رفع الحدث كما ذكره إمام الحرمين وآخرون فله ثلاثة أحوال ( أحدها ) أن يغسل بدنه منكسا لا على ترتيب الوضوء فهل يجزيه ؟ فيه الوجهان المذكوران في الكتاب بدليلهما أصحهما باتفاق الأصحاب لا يجزيه ( الحال الثاني ) أن ينغمس في الماء ويمكث زمانا يتأتى فيه الترتيب في الأعضاء الأربعة فيجزيه على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه حكاه الرافعي ( الثالث ) أن ينغمس ولا يمكث فوجهان مشهوران أصحهما عند المحققين والأكثرين الصحة ، ويقدر الترتيب في لحظات لطيفة والخلاف في الصور الثلاث فيما سوى الوجه ، وأما الوجه فيجزيه في جميعها بلا خلاف إذا قارنته النية . وقال الرافعي : هذا الخلاف إذا نوى رفع الحدث ، فإن نوى رفع الجنابة فإن قلنا : لا يجزيه لو نوى رفع الحدث فهنا أولى وإلا فوجهان الأصح يجزيه لأن النية لا تتعلق بخصوص الترتيب ، ثم قال القاضي حسين والمتولي والبغوي وآخرون : هذا الخلاف في صحة طهارته مبني على أن الحدث يحل جميع البدن وإنما يرتفع بغسل الأعضاء الأربعة تخفيفا أم يختص حلوله بالأعضاء الأربعة ؟ وفيه وجهان إن قلنا : يحل الجميع صحت طهارته لأنه أتي بالأصل وإلا فلا ، وسأوضح هذين الوجهين إن شاء الله تعالى في آخر الباب في المسائل الزائدة ، وقال صاحب المستظهري : هذا البناء فاسد ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالترتيب إحداها : إذا توضأ منكسا فبدأ برجليه ثم رأسه ثم يديه ثم وجهه لم يحصل له إلا الوجه إن قارنته النية ، فإن توضأ منكسا ثانيا وثالثا ورابعا تم وضوءه ، ولو توضأ ونسي أحد أعضائه ولم يعرفه استأنف الوضوء لاحتمال أنه الوجه ، ولو ترك موضعا من وجهه غسل ذلك الموضع وأعاد ما بعد الوجه ، فإن لم يعرف موضعه استأنف الجميع



                                      الثانية : قال الماوردي والشاشي وغيرهما : في الترتيب في الأعضاء المسنونة وهي غسل الكفين ثم المضمضة ثم الاستنشاق وجهان ( أحدهما ) أنه مسنون [ ص: 476 ] كتقديم اليمين ، فلو قدم المضمضة على الكفين أو الاستنشاق على المضمضة حصل على ذلك ، وأصحهما أنه شرط فلا يحصل له ما قدمه كما يشترط الترتيب في أركان صلاة النفل وفي تجديد الوضوء مع أنه سنة .

                                      فالحاصل أن أعضاء الوضوء ثلاثة أقسام : قسم يجب ترتيبه وهو الأعضاء الأربعة الواجبة ، وقسم لا يجب وهو اليمين على الشمال ، وقسم فيه وجهان وهو المسنون والأصح فيه الاشتراط



                                      الثالثة : قال القاضي أبو الطيب في تعليقه في أثناء مسألة الترتيب قول الله تعالى { فآمنوا بالله ورسوله } قال : لو آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمن بالله تعالى لم يصح إيمانه



                                      الرابعة : ذكر الأصحاب مسألة في التلخيص وفروع ابن الحداد وبسطوها ، وصورتها : جنب غسل بدنه كله إلا رجليه ثم أحدث قالوا : يتعلق حكم الحدث بوجهه ويديه ورأسه دون رجليه فيلزمه تطهير الأعضاء الثلاثة مرتبا فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح رأسه ، وهو بالخيار في الرجلين إن شاء غسلهما قبل الأعضاء الثلاثة وإن شاء بعدها وإن شاء بينها ، لأنه لما أحدث لم يتعلق حكم الحدث بالرجلين لبقاء الجنابة فيهما ، وإنما أثر في الأعضاء الثلاثة لطهارتها ، قال صاحب التلخيص والقاضي أبو الطيب وأبو العباس الجرجاني في كتابه المعاياة وآخرون : لا نظير لهذه المسألة . قال الأصحاب : ولو غسل الجنب جميع بدنه إلا أعضاء الوضوء فقط ثم أحدث لم يجب ترتيب الأعضاء بل يغسلها كيف شاء لما ذكرناه . ولو غسل أعضاء الوضوء فقط ثم أحدث وجب ترتيبها . هذا الذي ذكرناه هو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ، منهم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والبغوي وجماعات ونقله إمام الحرمين عن الأصحاب وقال هو المذهب ، وفيه وجه ذكره الشيخ أبو محمد في الفروق وولده إمام الحرمين والمتولي أنه يجب الترتيب في الصورة الأولى وغيرها ، ووجه ثالث : أنه [ ص: 477 ] يسقط الترتيب في جميع الأعضاء في الصورة الأولى أيضا حكاه صاحب البيان في باب صفة الغسل ، والمذهب الأول . هذا كله تفريع على المذهب أنه إذا اجتمع حدث وجنابة اندرج الحدث في الجنابة ، فأما إذا قلنا لا يندرج وأنه يجب غسل أعضاء الوضوء مرتين عن الحدثين فإنه يجب هنا في الصورة الأولى غسل الرجلين مرتين مرة عن الحدث فيكون بعد الأعضاء الثلاثة ومرة عن الجنابة يفعلها متى شاء ، وإن قلنا بالوجه الثالث أنه لا يندرج الترتيب ويندرج ما سواه وأنه يجب غسل أعضاء الوضوء مرة واحدة لكن مرتبة وجب هنا غسل الرجلين مرة واحدة بعد الأعضاء الثلاثة ، هكذا ذكره القاضي حسين والبغوي وهو ظاهر ، ولكن هذان الوجهان ضعيفان والتفريع على المذهب وهو الاندراج .

                                      قال إمام الحرمين : فإن قيل الأصغر يندرج تحت الأكبر إذا كانا باقيين بكمالهما فأما إذا بقي من الجنابة غسل الرجلين ثم طرأ الحدث فالوضوء الآن أكمل مما بقي من الغسل قلنا من هذا خرج الشيخ أبو محمد الوجه الذي قاله أنه يجب الترتيب فيؤخر غسل الرجلين ولكن الذي ذكره الأصحاب هو المذهب المعتد به ، وحكم الجنابة على الجملة أغلب وهو بأن يستتبع أولى . قال : فلو نسي حكم الجنابة في رجليه ونوى رفع الحدث قال الشيخ أبو علي : ترتفع الجنابة عن رجليه على المذهب لأن أعيان الأحداث لا أثر لها فلا يضر الغلط فيها ، وحكى وجها أن الجنابة لا ترتفع فيهما لأنها أغلظ من الحدث ، قال الإمام : هذا ضعيف مزيف ، ولو غسل كل البدن إلا يديه ثم أحدث فلا ترتيب في يديه على المذهب كما سبق فله غسلهما متى شاء ، ويجب الترتيب في الوجه والرأس والرجلين ، وكذا الحكم في ترك الوجه أو الرأس أو ترك عضوين أو ثلاثة والله أعلم . قال أصحابنا : هذه المسألة تلقى في المعاياة على أوجه فيقال : وضوء لم يجب فيه غسل القدمين مع وجودهما مكشوفتين بلا علة فيهما وهذه صورته كما سبق على المذهب ، ويقال محدث اقتضى حدثه طهارة بعض أعضاء الوضوء دون بعض مع سلامتها ، قال صاحب التلخيص : ويقال وضوء سقط فيه الترتيب فإنه يبدأ برجليه ، لكن نقل صاحب العدة عن الأصحاب أنهم غلطوه [ ص: 478 ] وقالوا : ليس هذا وضوءا بلا ترتيب بل لم يجب فيه غسل الرجلين ، وإنكار الأصحاب إنكار صحيح والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية