الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6113 ) فصل : فإن قال : إن وطئتك ، فوالله لا وطئتك . لم يكن موليا في الحال ; لأنه لا يلزمه بالوطء حق ، لكن إن وطئها صار موليا ; لأنها تبقى يمينا تمنع الوطء على التأبيد . وهذا الصحيح عن الشافعي وحكي عنه قول قديم ، أنه يكون موليا من الأول ; لأنه لا يمكنه الوطء إلا بأن يصير موليا ، فيلحقه بالوطء ضرر .

                                                                                                                                            وكذلك على هذا القول ، إن قال : وطئتك فوالله لا دخلت الدار . لم يكن موليا من الأول ، فإن وطئها انحل الإيلاء ; لأنه لم يبق ممتنعا من وطئها بيمين ولا غيرها ، وإنما بقي ممتنعا باليمين من دخول الدار . ولنا أن يمينه معلقة بشرط ، ففيما قبله ليس بحالف ، فلا يكون موليا ، ولأنه يمكنه الوطء من غير حنث ، فلم يكن موليا ، كما لو لم يقل شيئا . وكونه يصير موليا ، لا يلزمه به شيء ، وإنما يلزمه بالحنث . ولو قال : والله لا وطئتك في السنة إلا مرة . لم يصر موليا في الحال ; لأنه يمكنه الوطء متى شاء بغير حنث ، فلم يكن ممنوعا من الوطء بحكم يمينه ، فإذا وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر ، صار موليا .

                                                                                                                                            وهذا قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وظاهر مذهب الشافعي . وفي قوله القديم ، يكون موليا في الابتداء ; لما ذكرنا في التي قبلها . وقد أجبنا عنه . وإن قال : والله لا وطئتك سنة إلا يوما . فكذلك . وبهذا قال أبو حنيفة ; لأن اليوم منكر ، فلم يختص يوما دون يوم ، ولذلك لو قال : صمت رمضان إلا يوما . لم يختص اليوم الآخر . ولو قال : لا أكلمك في السنة إلا يوما . لم يختص يوما منها . وفيه وجه آخر ، أنه يصير موليا في الحال . وهو قول زفر ; لأن اليوم المستثنى يكون من آخر المدة ، كالتأجيل ومدة الخيار ، بخلاف قوله : لا وطئتك في السنة إلا مرة ، فإن المرة لا تختص وقتا بعينه .

                                                                                                                                            ومن نصر الأول فرق بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار ، من حيث إن التأجيل ومدة الخيار ، تجب الموالاة فيهما ، ولا يجوز أن يتخللهما يوم لا أجل فيه ولا خيار ; لأنه لو جازت له المطالبة في أثناء الأجل ، لزم قضاء الدين ، فيسقط التأجيل بالكلية ، ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار ، لم يعد إلى الجواز ، فتعين جعل اليوم المستثنى من آخر المدة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإن جواز الوطء في يوم من أول السنة أو أوسطها ، لا يمنع ثبوت حكم اليمين فيما بقي من المدة ، فصار ذلك كقوله : لا وطئتك في السنة إلا مرة . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية