الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا سبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قوما من أحبار اليهود ، منهم عبد الله بن صوريا ، وكعب [ابن أسد] إلى الإسلام ، وقال لهم: إنكم لتعلمون أن الذي جئت به حق ، فقالوا: ما نعرف ذلك ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الذين أوتوا الكتاب قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم اليهود ، قاله الجمهور . والثاني: اليهود والنصارى ، ذكره الماوردي . وعلى الأول يكون الكتاب: التوراة ، وعلى الثاني: التوراة والإنجيل . والمراد بما نزلنا: القرآن ، وقد سبق في (البقرة) بيان تصديقه لما معهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: من قبل أن نطمس وجوها في طمس الوجوه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه إعماء العيون ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه طمس ما فيها من عين ، وأنف ، وحاجب ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، واختيار ابن قتيبة . [ ص: 102 ] والثالث: أنه ردها عن طريق الهدى ، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي . وقال مقاتل: من قبل أن نطمس وجوها ، أي: نحول الملة عن الهدى والبصيرة . فعلى هذا القول يكون ذكر الوجه مجازا . والمراد: البصيرة والقلوب . وعلى القولين قبله يكون المراد بالوجه: العضو المعروف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فنردها على أدبارها خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: نصيرها في الأقفاء ، ونجعل عيونها في الأقفاء ، هذا قول ابن عباس ، وعطية .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: نصيرها كالأقفاء ، ليس فيها فم ، ولا حاجب ، ولا عين ، وهذا قول قوم ، منهم ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: نجعل الوجه منبتا للشعر ، كالقرود ، هذا قول الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: ننفيها مدبرة عن ديارها ومواضعها . وإلى نحوه ذهب ابن زيد . قال ابن جرير: فيكون المعنى: من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها . وناحيتهم التي هم بها نزول ، فنردها على أدبارها من حيث جاؤوا بديا من الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: نردها في الضلالة ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أو نلعنهم يعود إلى أصحاب الوجوه . وفي معنى لعن أصحاب السبت قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 103 ] أحدهما: مسخهم قردة ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومقاتل . والثاني: طردهم في التيه ، حتى هلك فيه أكثرهم ذكره الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وكان أمر الله مفعولا قال ابن جرير: الأمر هاهنا: بمعنى: المأمور ، سمي باسم الأمر لحدوثه عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية