الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 200 ] كتاب التفليس قال حدثنا محمد بن عاصم قال : سمعت المزني قال : ( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب قال : حدثني أبو المعتمر بن عمر بن نافع عن خلدة أو ابن خلدة الزرقي الشك من المزني { عن أبي هريرة أنه رأى رجلا أفلس فقال هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه } ( قال الشافعي ) : وفي ذلك بيان أنه جعل له نقض البيع الأول إن شاء إذا مات أو أفلس .

( قال الشافعي ) : ويقال لمن قبل الحديث في المفلس في الحياة دون الموت قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة على الحي فحكمتم بها على ورثته فكيف لم تحكموا في المفلس في موته على ورثته كما حكمتم عليه في حياته فقد جعلتم للورثة أكثر مما للمورث الذي عنه ملكوا وأكثر حال الوارث أن لا يكون له إلا ما للميت .

( قال الشافعي ) : ولا أجعل للغرماء منعه بدفع الثمن ولا لورثة الميت وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم أحق به منهم .

( قال المزني ) قلت أنا : وقال في المحبس إذا هلك أهله رجع إلى أقرب الناس إلى المحبس فقد جعل لأقرب الناس بالمحبس في حياته ما لم يجعل للمحبس ، وهذا عندي جائز .

( قال ) : وإن تغيرت السلعة بنقص في بدنها بعور أو غيره أو زادت فسواء إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها كما تنقض الشفعة بهدم من السماء إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها .

( قال ) : ولو باعه نخلا فيه ثمر أو طلع قد أبر واستثناه المشتري وقبضها وأكل الثمر أو أصابته جائحة ثم فلس أو مات فإنه يأخذ عين ماله ويكون أسوة الغرماء في حصة الثمر يوم قبضه لا يوم أكله ولا يوم أصابته الجائحة .

( قال ) : ولو باعها مع ثمر فيها قد اخضر ثم فلس والثمر رطب أو تمر أو باعه زرعا مع أرض خرج أو لم يخرج ثم أصابه مدركا أخذه كله . ولو باعه حائطا لا ثمر فيه أو أرضا لا زرع فيها ثم فلس المشتري فإن كان النخل قد أبر والأرض قد زرعت كان له الخيار في النخل والأرض وتبقى الثمار إلى الجداد والزرع إلى الحصاد إن أراد الغرماء تأخير ذلك وإن شاء ضرب مع الغرماء وإن أراد الغرماء بيع الثمر قبل الجداد ، والزرع بقلا فذلك لهم .

وكذلك لو باعه أمة فولدت ثم أفلس كانت له الأمة إن شاء والولد للغرماء وإن كانت حبلى كانت له حبلى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإبار كالولادة وإذا لم تؤبر فهي كالحامل لم تلد . ولو باعه نخلا لا ثمر فيها ثم أثمرت فلم تؤبر حتى أفلس فلم يختر البائع حتى أبرت كان له النخل دون الثمرة ; لأنه لا يملك عين ماله إلا بالتفليس والاختيار وكذلك كل ما كان يخرج من ثمر الشجر في أكمام فينشق كالكرسف وما أشبهه فإذا انشق فمثل النخل يؤبر وإذا لم ينشق فمثل النخل لم يؤبر . ولو قال البائع اخترت عين مالي قبل الإبار وأنكر [ ص: 201 ] المفلس فالقول قوله مع يمينه وعلى البائع البينة ، وإن صدقه الغرماء لم أجعل لهم من الثمر شيئا ; لأنهم أقروا به للبائع وأجعله للغريم سوى من صدق البائع ويحاصهم فيما بقي إلا أن يشهد من الغرماء عدلان فيجوز ، وإن صدقه المفلس وكذبه الغرماء فمن أجاز إقراره أجازه ومن لم يجزه لم يجزه وأحلف له الغرماء الذين يدفعونه ولو وجد بعض مال كان له بحصته ويضرب مع الغرماء في بقيته ، ولو كانت دارا فبنيت أو أرضا فغرست خيرته بين أن يعطى العمارة ، ويكون ذلك له أو يكون له الأرض والعمارة تباع للغرماء إلا أن يشاء المفلس والغرماء أن يقلعوا ويضمنوا ما نقص القلع فيكون لهم .

( وقال في موضع آخر ) : إن لم يأخذ العمارة وأبى الغرماء أن يقلعوها لم يكن له إلا الثمن يحاص به الغرماء .

( قال المزني ) قلت أنا : الأول عندي بقوله أشبه وأولى ; لأنه يجعل الثوب إذا صبغ لبائعه يكون به شريكا وكذلك الأرض تغرس لبائعها يكون بها شريكا .

( قال الشافعي ) : ولو كانا عبدين بمائة فقبض نصف الثمن وبقي أحد العبدين وهما سواء كان له نصف الثمن ونصف الذي قبض ثمن الهالك كما لو رهنهما بمائة فقبض تسعين وهلك أحدهما كان الآخر رهنا بالعشرة .

( قال المزني ) قلت أنا : أصل قوله أن ليس الرهن من البيع بسبيل ; لأن الرهن معنى واحد بمعنى واحد ما بقي من الحق شيء .

( قال ) : ولو بقي من ثمن السلعة في التفليس درهم لم يرجع في قوله من السلعة إلا بقدر الدرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية