الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب جناية المملوك والجناية عليه )

                                                                                        لما فرغ رحمه الله من بيان حكم جناية المالك وهو الحر والجناية عليه شرع في بيان أحكام جناية المملوك وهو العبد وأخره لانحطاط رتبة العبد عن رتبة الحر كذا في الشروح أقول : فيه شيء وهو أن لقائل أن يقول لما وقع الفراغ من بيان أحكام جناية الحر على الحر مطلقا بقي منه بيان حكم جناية الحر على العبد فالأظهر أن يقال لما فرغ من بيان جناية الحر على الحر شرع في بيان جناية المملوك والجناية عليه ولما كان فيه تعلق الملك بالمملوك ألبتة من جانب أخره لانحطاط رتبة المملوك عن المالك ثم قال صاحب العناية لا يقال العبد لا يكون أدنى منزلة من البهيمة فكيف أخر باب جنايته عن باب جناية البهيمة لأن جناية البهيمة كانت باعتبار الراكب أو السائق أو القائد وهم ملاك . ا هـ .

                                                                                        أقول : فيه أيضا شيء إذ لقائل أن يقول إن أراد جناية البهيمة كانت باعتبار الراكب أو السائق أو القائد فهو ممنوع فإن جنايتها بطريق النفحة برجلها أو ذنبها وهي تسير لا يكون باعتبار أحد منهم وإلا لوجب عليهم الضمان في تلك الصورة وليس كذلك كما عرف في بابها وكذا الحال فيما إذا أصابت بيدها أو رجلها حصاة أو نواة أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا فقأ عين إنسان أو أفسد ثوبه وكذا إذا انفلتت فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا كما عرف كل ذلك أيضا في بابها وإن أراد أن جنايتها قد تكون باعتبار أحد منهم فهو مسلم ولكن لا يتم به تمام التعرف ويمكن أن يقال الصور التي لا يجب فيها من فعل البهيمة ضمان على أحد بل يكون فعلها هدرا مما لا يترتب عليه حكم من أحكام الجناية في الشرع وإنما ذكرت في بابها استطرادا و بناء الكلام هنا على ما له حكم من الأحكام الشرعية فيتم التعريف قال رحمه الله ( جناية المملوك لا توجب إلا دفعا واحدا أو محلا لها وإلا قيمة واحدة ) أي جناية العبد لا توجب إلا دفع رقبته إذا كان محلا للدفع إذا كان قنا وهو الذي لم ينعقد له شيء من أسباب الحرية كالتدبير وأمومية الولد والكتابة سواء كانت الجناية واحدة أو أكثر لا توجب إلا دفع رقبته إذا كانت الجناية في النفس موجبة للمال وإلا فقيمة واحدة إن لم يكن محلا للدفع بأن انعقد له شيء مما ذكرنا يوجب جنايته قيمة واحدة ولا يزيد عليها .

                                                                                        وإن تكررت الجناية وفي القن إذا جنى بعد الفداء تؤمر بالدفع أو الفداء بخلاف المدبر وأختيه فإنه لا يوجب إلا قيمة واحدة على ما بيناه في أثناء المسائل والكلام في جناية المدبر وأم الولد من وجوه الأول في جنايته على مولاه والثاني في سعايته والثالث في جناية المدبر والرابع في جناية المدبر في يد الغاصب ودية جناية المدبر نفسا وما دونها على مولاه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية فإن كانت القيمة مثل الدية أو أكثر غرم مثل الدية إلا عشرة دراهم ويضمن قيمته يوم جنى وقيمة المدبر ثلثا قيمته كما تقدم وهو إذا جنى جنايات أو جناية واحدة لا توجب إلا قيمة واحدة ولو مات المدبر بعد الجناية بلا فصل ولم تنقص قيمته لم يسقط عن المولى شيء من قيمة العبد ولو قتل مدبر رجلا خطأ وقيمته ألف ثم صارت قيمته ألفين فقتل آخر خطأ فالألف درهم للثاني وتحاصا في القيمة الأولى وهي ألف درهم فلو دفع المولى القيمة للأول بغير قضاء غرم للثاني ألف درهم واتبع الأول [ ص: 415 ] في نصف القيمة وإن دفع بقضاء لا يغرم شيئا اتفاقا ولو قتل المدبر مولاه خطأ سعى في قيمته ولو جنى مدبر بعد موت المولى ولم يخرج من الثلث سعى في قيمته كالمكاتب إذا قتل مولاه خطأ سعى في قيمته .

                                                                                        وإن خرج من الثلث كانت على العاقلة اتفاقا ومدبر ذمي في ذلك كله كمدبر مسلم وكذا مدبر حربي مستأمن ما دام في دار الإسلام معه فلو دبره في دار الإسلام ثم رجع به إلى دار الحرب فسبي عتق المدبر ولا يغرم ما جنى بعد ما سبى ويعتق المدبر بموت المولى حكما كما يعتق بموته حقيقة ولو جنى الحر على المدبر فهو كما لو جنى الحر على القن فلو قتله فعلى عاقلته الدية ولو قطع يده فعليه نصف قيمته مدبر قتل رجلا خطأ فدفع المولى القيمة ثم قتل آخر خطأ فإن شاء الثاني تبع الأول بنصف القيمة وإن شاء أخذ من المولى نصف القيمة ويرجع به المولى على الأول عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يغرم المولى شيئا مدبر حفر بئرا فمات فيها رجل فدفع المولى قيمته وهي ألف بقضاء ثم مات ولي الجناية وترك ألفا وعليه ألفان دينا لرجلين لكل ألف ووقع في البئر آخر فمات فالألف الذي تركه ولي الجناية الأولى يقسم بين الغرماء وبين ولي الجناية الثانية على خمسة أسهم للغرماء أربعة وله سهم لأنه لما وقع في البئر ظهر أن نصف قيمة المدبر وذلك خمسمائة دين لولي الجناية الثانية على ولي الجناية الأولى فظهر أن القيمة مشتركة بينهما تقسم على ما ذكرناه عبد لرجل شجه رجل موضحة ثم دبره ثم شجه موضحة أخرى ثم كاتبه ثم شجه موضحة ثالثة ثم أدى الكتابة فعتق ثم شجه موضحة رابعة فمات من ذلك فهاهنا حكم الشجاج وحكم النفس أما حكم الشجاج فالأولى يضمن الشاج نصف عشر قيمته وهو عبد صحيح .

                                                                                        وأما حكم الشجة الثالثة فإنه يضمن نصف عشر قيمته وهو مدبر مكاتب مشجوج شجتين وأما حكم الشجة الرابعة فإنه يضمن ثلث الدية ولا يضمن الأرش وأما حكم النفس فلا شيء على الشاج بسراية الشجة الأولى والثانية لأن سرايتهما منقطعة عن الجناية بالعتق والكتابة ويضمن للشجة الثالثة ثلث قيمته وهو مدبر مكاتب مشجوج بأربع شجات ولا يضمن ثلث الدية وإن مات حرا لأن ابتداء الشجة لاقى الكتابة وإنما يضمن ثلث قيمته لا ربعها لأن الجناية الأولى والثانية حكمهما واحد والشجة الرابعة لاقته وهو حر وموجبها الدية فبان بهذا واتضح أن النفس إنما تلفت معنى واعتبارا بثلاث جنايات ثلثها بالجناية الأولى وقد هدرت سرايتها وثلثها بالجناية الثالثة وسرايتها معتبرة فيضمن ثلث قيمته مشجوجا بأربع شجاج لأن ثلاث شجاج منها ضمنها مرة فلا يضمن مرة أخرى وما تلف بالشجة الرابعة يكون مضمونا على الشاج بالشجة الثالثة لأنه مات وهو منقوص بأربع شجات كذا في المحيط مع اختصار وفي الذخيرة أم الولد إذا جنت جناية خطأ فالجواب فيها كالجواب في المدبر على التفصيل المتقدم ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية