الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6126 ) فصل : في الألفاظ التي يكون بها موليا ، وهي ثلاثة أقسام : أحدها - ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا ، وهي ثلاثة ألفاظ قوله : والله لا آتيك ، ولا أدخل ، ولا أغيب أو أولج ذكري في فرجك . ولا افتضضتك . للبكر خاصة ، فهذه صريحة ، ولا يدين فيها ; لأنها لا تحتمل غير الإيلاء . القسم الثاني ، صريح في الحكم ، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى ، وهي عشرة ألفاظ : لا وطئتك ، ولا جامعتك ، ولا أصبتك ، ولا باشرتك ، ولا مسستك ، ولا قربتك ، ولا أتيتك ، ولا باضعتك ، ولا باعلتك ، ولا اغتسلت منك . فهذه صريحة في الحكم ; لأنها تستعمل في العرف في الوطء .

                                                                                                                                            وقد ورد القرآن ببعضها فقال الله سبحانه { : ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن } . وقال { : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . وقال تعالى { : من قبل أن تمسوهن } . وأما الجماع والوطء ، فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال ، فلو قال : أردت بالوطء الوطء بالقدم ، وبالجماع اجتماع الأجسام ، وبالإصابة الإصابة باليد . دين فيما بينه وبين الله تعالى ، ولم يقبل في الحكم ; لأنه خلاف الظاهر والعرف . وقد اختلف قول الشافعي فيما عدا الوطء والجماع من هذه الألفاظ ، فقال في موضع : ليس بصريح في الحكم ; لأنه حقيقة في غير الجماع . وقال في : لا باضعتك : ليس بصريح ; لأنه يحتمل أن يكون من التقاء البضعتين ، البضعة من البدن بالبضعة منه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : فاطمة بضعة مني } .

                                                                                                                                            ولنا أنه مستعمل في الوطء عرفا ، وقد ورد به القرآن والسنة ، فكان صريحا ، كلفظ الوطء والجماع ، وكونه حقيقة في غير الجماع يبطل بلفظة الوطء والجماع ، وكذلك قوله : فارقتك ، وسرحتك . في ألفاظ الطلاق ، فإنهم قالوا : هي صريحة في الطلاق ، مع كونها حقيقة في غيره ، وأما قوله : باضعتك . فهو مشتق من البضع ، ولا يستعمل هذا اللفظ في غير الوطء ، فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الألفاظ ; لأنها تستعمل في غيره . وبهذا قال أبو حنيفة . القسم الثالث ، ما لا يكون إيلاء إلا بالنية ، وهو ما عدا هذه الألفاظ ، مما يحتمل الجماع ، كقوله : والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء . لا ساقف رأسي رأسك . لأسوأنك . لأغيظنك . لتطولن غيبتي عنك . لا مس جلدي جلدك . لا قربت فراشك . لا آويت معك . لا نمت عندك . فهذه إن أراد بها الجماع ، واعترف بذلك ، كان موليا ، وإلا فلا ; لأن هذه الألفاظ ليست ظاهرة في الجماع ، كظهور التي قبلها ، ولم يرد النص باستعمالها فيه ، إلا أن هذه الألفاظ منقسمة إلى ما يفتقر فيه إلى نية الجماع والمدة معا ، وهي قوله : لأسوأنك ، ولأغيظنك ، ولتطولن [ ص: 427 ] غيبتي عنك . فلا يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر ; لأن غيظها يكون بترك الجماع فيما دون ذلك ، وفي سائر هذه الألفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط .

                                                                                                                                            وإن قال : والله ليطولن تركي لجماعك ، أو لوطئتك ، أو لإصابتك . فهذا صريح في ترك الجماع ، وتعتبر نية المدة دون نية الوطء ; لأنه صريح فيه . وإن قال : والله لا جامعتك إلا جماعا ضعيفا . لم يكن موليا ، إلا أن ينوي جماعا لا يبلغ التقاء الختانين . وإن قال : والله لا أدخلت جميع ذكري في فرجك . لم يكن موليا ; لأن الوطء الذي يحصل به الفيئة ، يحصل بدون إيلاج جميع الذكر . وإن قال : والله لا أولجت حشفتي في فرجك . كان موليا ; لأن الفيئة لا تحصل بدون ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية