الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

فهرس الكتاب

العقيدة

المنطق

الآداب والتصوف

التفسير

الحديث

أصول الفقه

الفقه

مجموع فتاوى ابن تيمية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة

جزء

وسئل رحمه الله تعالى عن هذا " التحليل " الذي يفعله الناس اليوم : إذا وقع على الوجه الذي يفعلونه من الاستحقاق والإشهاد وغير ذلك من سائر الحيل المعروفة : هل هو صحيح أم لا ؟ وإذا قلد من قال به هل : يفرق بين اعتقاد واعتقاد ؟ وهل الأولى إمساك المرأة أم لا ؟

التالي السابق

عرض الحاشية

فَأَجَابَ : التَّحْلِيلُ الَّذِي يَتَوَاطَئُونَ فِيهِ مَعَ الزَّوْجِ - لَفْظًا أَوْ عُرْفًا - عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ أَوْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ذَلِكَ : مُحَرَّمٌ . لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ص: 152 ] فَاعِلَهُ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ وَسَمَّاهُ " التَّيْسَ الْمُسْتَعَارَ " وَقَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } . وَكَذَلِكَ مِثْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ بِذَلِكَ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ : يُصَرِّحُونَ فِيهَا بِأَنَّ مَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُحَلِّلٌ ; وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ . وَسَمَّوْهُ " سِفَاحًا " . وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا الْأَوَّلِ بِمِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ إمْسَاكُهَا بِهَذَا التَّحْلِيلِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا ; لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِاجْتِهَادِ أَوْ تَقْلِيدٍ جَوَازُ ذَلِكَ ; فَتَحَلَّلَتْ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ : فَالْأَقْوَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا ; بَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ عَفَا اللَّهُ فِي الْمَاضِي عَمَّا سَلَفَ .

فأجاب : التحليل الذي يتواطئون فيه مع الزوج - لفظا أو عرفا - على أن يطلق المرأة أو ينوي الزوج ذلك : محرم . لعن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 152 ] فاعله في أحاديث متعددة وسماه " التيس المستعار " وقال : { لعن الله المحلل والمحلل له } . وكذلك مثل عمر وعثمان وعلي وابن عمر وغيرهم لهم بذلك آثار مشهورة : يصرحون فيها بأن من قصد التحليل بقلبه فهو محلل ; وإن لم يشترطه في العقد . وسموه " سفاحا " . ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد ولا يحل للزوج المحلل إمساكها بهذا التحليل بل يجب عليه فراقها ; لكن إذا كان قد تبين باجتهاد أو تقليد جواز ذلك ; فتحللت وتزوجها بعد ذلك ثم تبين له تحريم ذلك : فالأقوى أنه لا يجب عليه فراقها ; بل يمنع من ذلك في المستقبل وقد عفا الله في الماضي عما سلف .