الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان أن التمسك بآراء المتأخرين من الفقهاء ضلال وخروج عن صراط الله المستقيم

ولا شك أن ما قسمه -صلى الله عليه وسلم- فينا هو هذا القرآن، وهذه السنة، دون ما جمعه أهل الرأي من الفتاوى الضخيمة؛ والطوامير الفروعية التي لا مستند لأكثر ما فيها من الحلال والحرام والجائز وغير الجائز.

وقد ابتلي بهذه البلية كثير من متأخري المقلدة للمذاهب الأربعة المشهورة، فأبرزوا من التفريعات والتخريجات ما لا تظله السماء ولا تقله الأرض.

ومنذ حدثت هذه البدع، رفعت من السنة غالبها، وجلست المنكرات مجالس المعروفات، وعكست القضية في أمور الديانات، حتى إن الجاهل من هؤلاء يزعم أن كل مسألة في كل كتاب فقهي من المذهب الحنفي والشافعي مثلا، هي في أم الكتاب.

ويتحرج عن العمل بما ثبت من القرآن والحديث صراحة ونصا، وظاهرا، ولا يتحرج عن العمل بما قاله إمامه، بل قال مقلد إمامه في كتاب من كتبه: وهذا من أشراط الساعة.

ومنهم من يؤول الحديث إلى مؤدى المذهب، ولا يصرف المذهب إلى مدلول الحديث.

فاليوم يعرض الكتاب والسنة على مجتهدات الأئمة والفضلاء، فإن وافقاها فهما صالحان، فإن لم يوافقاها فالترجيح للاجتهاد والرأي عليهما. [ ص: 232 ] تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض [مريم: 90] وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [الشعراء: 227]. متفق عليه.

وفي حديث ابن عمر يرفعه: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» متفق عليه.

وقد رأينا وسمعنا من هذا الباب ما لم يكن بحساب: قبض العلم، ومات العلماء منذ زمن طويل، وقام مقامه ومقامهم الفضل والفضلاء، الذين لا مساس لهم بعلم الكتاب والسنة. مبلغهم من العلم: الإفتاء بما في كتب الرأي وفقه أهل الأهواء، أو الاجتهاد من تلقاء النفس؛ زعما منهم أن هذا تجديد للدين، وفضيلة على جماعة المقلدين، وكل يعمل على شاكلته، ولكل امرئ ما نوى.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «إن الناس لكم تبع» الخطاب للصحابة الحاضرين، أو لكل من يصلح له من العلماء العاملين بالكتاب والسنة، المتمسكين بهما «وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض» عربها وعجمها، وأكثر الصحابة من العرب، وأكثر التابعين من العجم «يتفقهون في الدين» أي: حال كونهم طالبين الفهم في الدين والعلم به. كما قال تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين [التوبة: 122].

«فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا» أي: افعلوا بهم الخير، وأحسنوا إليهم، وعلموهم علم الدين الذي جاؤوا إليكم لطلبه، وكسبه، وتعلمه، وتحصيله. رواه الترمذي.

الحديث فيه الترغيب في طلب العلم باختيار السفر من قطر إلى قطر، ومن أفق إلى أفق، وحث للمعلمين على قبول هذه الوصية في حقهم، وأن النفر كفائي، لا فرض عين على كل واحد منهم. وأن الفقه هو هذا الحديث الشريف يرحلون لطلبه من كل فج عميق.

وقد وقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- في سالف هذه الأمة كثيرا، وبعدها، وإن كان على القلة، ولله الحمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية