الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              290 [ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                              6 - كتاب الحيض

                                                                                                                                                                                                                              قال تعالى: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى الآية [البقرة: 222].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الحيض: أصله السيلان. يقال: حاض الوادي: إذا سال. وقال ثعلب: من الحوض؛ لاجتماعه، فأبدلت واوه ياء؛ كقولهم في حثوة: حثية، وله عدة أسماء ذكرتها في شرح كتب الفروع، واستفتحه البخاري -رحمه الله- بهذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                              والمحيض الأول: هو الحيض بإجماع العلماء. والثاني: دم الحيض. وقيل: زمانه. وقيل: مكانه، وهو الفرج.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا قول أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمهور المفسرين، ويؤيده ما في "صحيح مسلم" من حديث أنس - رضي الله عنه - أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت. (فسأل) أصحاب [ ص: 8 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى ويسألونك عن المحيض [البقرة: 222] الآية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". وهذا السائل هو أبو الدحداح، قاله الواحدي .

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر قالا بعد ذلك: أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا بيان للأذى المذكور في الآية، وهو اعتزال الفرج دون سائر البدن، وإن كان الأصح عند أصحابنا أنه يعتزل ما بين السرة والركبة؛ لأنه (حرم) الفرج، و"من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه".

                                                                                                                                                                                                                              والإجماع قائم على جواز مؤاكلتها ومضاجعتها وقبلتها، إلا ما شذ به عبيدة السلماني فيما حكاه ابن جرير، وقال به بعض أصحابنا، وهو واه جدا.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في جواز وطئها إذا انقطع حيضها قبل أن تغتسل، فحرمه مالك ، والليث، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والشعبي، ومجاهد، والحسن، ومكحول، وسليمان بن يسار، وعكرمة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن انقطع دمها بعد عشرة أيام -الذي هو عنده أكثر الحيض- جاز له أن يطأها قبل الغسل، فإن انقطع دمها قبل [ ص: 9 ] العشر، لم يجز حتى تغتسل أو يمر عليها وقت صلاة؛ لأن الصلاة تجب عنده بآخر الوقت، فإذا مضى عليها آخر الوقت ووجبت عليها الصلاة علم أن الحيض قد زال؛ لأن الحائض لا صلاة عليها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي: إن غسلت فرجها جاز وطؤها، وإلا فلا. وبه قالت طائفة من أهل الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وروي مثله عن عطاء، وطاوس، وقتادة، ووجه هذا قوله تعالى: حتى يطهرن أي: ينقطع دمهن. فجعل ذلك غاية لمنع قربانها.

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب عنه الأولون فقالوا: المراد بالآية: التطهر بالماء، فإنه قال تعالى: فإذا تطهرن فأضاف الفعل إليهن، وانقطاع الدم لا فعل لهن فيه، فالتقدير: فلا تقربوهن حتى يطهرن ويتطهرن، فعلقه بوجودهما، فلا يحل إلا بهما، وقد يقع التحريم بشيء، فلا يزول بزواله لعلة أخرى، كقوله تعالى في المبتوتة: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [البقرة: 230] أي: وتنقضي عدتها.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال : وقول أبي حنيفة لا وجه له، وقد حكم أبو حنيفة وأصحابه للحائض بعد الانقطاع بحكم الحائض في العدة، وقالوا: لزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل. فقياسه هنا يوقف الحل على الغسل. قال إسماعيل بن إسحاق: ولا أعلم أحدا ممن روي عنهم العلم من التابعين ذكر في ذلك وقت صلاة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 10 ]



                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية