ولما ذكر سبحانه وتعالى الحاقة التي جعلها دار الحساب للمحسن والمسيء اللذين قسمتهما القدرة واقتضتهما الحكمة، وصوب إليهما القرآن الذي هو ذكر للعالمين بالوعد والوعيد والبشارة والتهديد، ومن المعلوم ببديهة العقل أنه لا يصح أصلا في حكمة أحد أن يترك من تحت يده هملا لا سيما إن كان تقدم إليهم بالأمر والنهي، وأقام الدليل على قدرته عليها بتعذيب من استأصلهم لأجل تكذيب رسله ليكون
[ ص: 374 ] عذابهم وتنجية المحسنين منهم [ مثلا -] محسوسا تشهد فيه الحاقة، لأن من قدر على ذلك كانت له القدرة [ التامة -] على كل ممكن، وذكر ما دلت الحكمة عليه من تنعيم الطائع وتعذيب العاصي بما هو أنسب الأشياء لعمل كل منهما في هذه الأساليب المعجزة مفردات وتراكيب ومعاني، فدل ذلك على آخر سورة "ن" عاد إلى تقريره بوجه آخر، وهو أنه لتمام علمه وكمال قدرته لا يقرر من كذب عليه على كذبه فضلا عن أن يؤيده، فقال مسببا عن ذلك حين بلغ الأمر في الوضوح إلى النهاية، ذاكرا ما هو أبلغ من القسم لأن بعض أهل الجدل إذا حجه خصمه يقول: إنما غلبتني بأنك أتقن مني في الجدل بالحق، فإن الحق معي، فيحلف له صاحبه أنه ما غالطه ولا تعمد في جدله إلا الحق،
nindex.php?page=treesubj&link=33062_29040nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فلا أقسم أي لا يقع مني إقسام
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38بما أي بمجموع ما
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38تبصرون أي لكم أهلية إبصاره من كل ما دخل في عالم الشهادة
وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَاقَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا دَارَ الْحِسَابِ لِلْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ اللَّذَيْنِ قَسَّمَتْهُمَا الْقُدْرَةُ وَاقْتَضَتْهُمَا الْحِكْمَةُ، وَصَوَّبَ إِلَيْهِمَا الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْبِشَارَةِ وَالتَّهْدِيدِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فِي حِكْمَةِ أَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ هَمَلًا لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا بِتَعْذِيبِ مَنِ اسْتَأْصَلَهُمْ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ رُسُلِهِ لِيَكُونَ
[ ص: 374 ] عَذَابُهُمْ وَتَنْجِيَةُ الْمُحْسِنِينَ مِنْهُمْ [ مَثَلًا -] مَحْسُوسًا تَشْهَدُ فِيهِ الْحَاقَّةُ، لِأَنَّ مِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ كَانَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ [ التَّامَّةُ -] عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ، وَذَكَرَ مَا دَلَّتِ الْحِكْمَةُ عَلَيْهِ مِنْ تَنْعِيمِ الطَّائِعِ وَتَعْذِيبِ الْعَاصِي بِمَا هُوَ أَنْسَبُ الْأَشْيَاءِ لِعَمَلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْمُعْجِزَةِ مُفْرَدَاتٍ وَتَرَاكِيبَ وَمَعَانِي، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى آخِرِ سُورَةِ "ن" عَادَ إِلَى تَقْرِيرِهِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لِتَمَامِ عِلْمِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ لَا يُقَرِّرُ مِنْ كَذَبَ عَلَيْهِ عَلَى كَذِبِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُؤَيِّدَهُ، فَقَالَ مُسَبِّبًا عَنْ ذَلِكَ حِينَ بَلَغَ الْأَمْرُ فِي الْوُضُوحِ إِلَى النِّهَايَةِ، ذَاكِرًا مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْقَسَمِ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْجَدَلِ إِذَا حَجَّهُ خَصْمُهُ يَقُولُ: إِنَّمَا غَلَبَتْنِي بِأَنَّكَ أَتْقَنَ مِنِّي فِي الْجَدَلِ بِالْحَقِّ، فَإِنَّ الْحَقَّ مَعِي، فَيَحْلِفُ لَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ مَا غَالَطَهُ وَلَا تَعْمِدْ فِي جَدَلِهِ إِلَّا الْحَقَّ،
nindex.php?page=treesubj&link=33062_29040nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فَلا أُقْسِمُ أَيْ لَا يَقَعُ مِنِّي إِقْسَامٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38بِمَا أَيْ بِمَجْمُوعِ مَا
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38تُبْصِرُونَ أَيْ لَكُمْ أَهْلِيَّةُ إِبْصَارِهِ مِنْ كُلِّ مَا دَخَلَ فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ