الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب القسامة ) لما كان أمر القتيل يئول إلى القسامة فيما إذا لم يعلم قاتله ذكر هاهنا في باب على حدة في آخر الديات .

                                                                                        والكلام في القسامة من وجوه الأول في معناها لغة والثاني في معناها شرعا والثالث في ركنها والرابع في شرطها والخامس في صفتها والسادس في دليلها اعلم أن القسامة في اللغة اسم وضع موضع الأقسام كذا في عامة الشروح أخذا من المغرب وقال في [ ص: 446 ] معراج الدراية القسامة لغة : مصدر أقسم كما لا يخفى على من له دراية بعلم الأدب وأما في علم الشريعة فهي أيمان يقسم بها أهل محلة أو دار أو غير ذلك وجد فيها قتيل به أثر يقول كل منهم والله ما قتلته ولا علمت له قاتلا كذا في العناية قال في النهاية وأما تفسيرها شرعا فما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في القتيل الذي يوجد في المحلة أو دار رجل في المصر إن كان جراحة أو أثر ضرب أو أثر خنق ولا يعلم قاتله يقسم خمسون رجلا من أهل المحلة كل منهم يقول بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا . ا هـ .

                                                                                        أقول : ما ذكر في النهاية إنما هو مسألة القسامة شرعا فإن التفسير من قبيل التصورات وما ذكر فيها تصديق من قبيل الشرطيات كما ترى نعم يمكن أن يؤخذ منه تفسير القسامة شرعا بتدقيق النظر لكنه في موضع بيان معنى القسامة شرعا في أول الباب تعسف خارج عن سنن الطريق وأما ركنها فهو أنه يجري من أن يقسم هذه الكلمات التي يقسم بها على لسانه ثم قال في النهاية .

                                                                                        وأما شرطها فهو أن يكون المقسم رجلا بالغا عاقلا حرا فلذلك لم يدخل في القسامة المرأة والصبي والمجنون والعبد وأن يكون في الميت الموجود أثر القتل وأما لو وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية ومن شرطها أيضا تكميل اليمين بالخمسين . ا هـ .

                                                                                        وفي غاية البيان أيضا كذلك ومن شروطها أيضا أن لا يعلم قاتله فإن علم فلا قسامة فيه ولكن يجب القصاص فيه أو الدية كما تقدم ومنها أن يكون القتيل من بني آدم فلا قسامة في بهيمة وجدت في محلة قوم ومنها الدعوى من أولياء القتيل لأن القسامة يمين واليمين لا تجب بدون الدعوى كما في سائر الدعاوى ومنها إنكار المدعى عليه لأن اليمين وظيفة المنكر ومنها المطالبة في القسامة لأن اليمين حق المدعي وحق الإنسان يوفى عند طلبه كما في سائر الأموال ومنها أن يكون الموضع الذي وجد فيه القتيل ملكا لأحد أو في يد أحد فإن لم يكن ملكا لأحد ولا في يد أحد أصلا فلا قسامة فيه ولا دية في قن أو مدبر أو أم ولد أو مكاتب أو مأذون وجد مقتولا في دار مولاه نص في البدائع على هاتيك الشروط كلها بالوجه الذي ذكرناه مع زيادة تفصيل وأورد على اشتراط الحرية .

                                                                                        إذا وجد قتيل في دار مكاتب فعليه القسامة وإذا حلف يجب الأقل من قيمته ومن الدية نص عليه في البدائع وأجيب بأن المكاتب حر يدا وإن لم يكن حرا رقبة كما صرحوا به في الباب السابق فوجد فيه الحرية في الجملة فجاز اشتراطنا الحرية في القسامة مطلقا بناء على ذلك لكن لا يخفى ما فيه وأما صفتها فهي وجوب الأيمان وأما دليلها فالأحاديث المشهورة وإجماع الأمة وأما سببها فوجود القتيل في المحلة وما في معناه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية