الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ شروط الداعي ]

                                                                                                                                            وإذا كانت الإجابة واجبة على ما وصفنا ، فلوجوبها شروط تعتبر في الداعي والمدعو :

                                                                                                                                            فأما الشروط المعتبرة في الداعي ، فستة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون بالغا ، يصح منه الإذن والتصرف في ماله ، فإن كان غير بالغ ، لم تلزم إجابته ، ولم يجز أيضا ؛ لبطلان إذنه ورد تصرفه .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : أن يكون عاقلا ؛ لأن المجنون لفقد تمييزه أسوأ حالا من الصغير في فساد إذنه ورد تصرفه .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : أن يكون رشيدا يجوز تصرفه في ماله ، فإن كان محجورا عليه لم تلزم إجابته ، فلو أذن له وليه لم تلزم إجابته أيضا ؛ لأن وليه مندوب لحفظ ماله لا لإتلافه .

                                                                                                                                            والشرط الرابع : أن يكون حرا ؛ لأن العبد لا يجوز تصرفه ، فلم تلزم إجابته ؛ لفساد إذنه ، فلو أذن له سيده صار كالحر في لزوم إجابته .

                                                                                                                                            والشرط الخامس : أن يكون مسلما ، تلزم موالاته في الدين ، فإن كان الداعي ذميا لمسلم ، ففي لزوم إجابته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجب ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " أجيبوا الداعي ، فإنه ملهوف " .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا تلزم إجابته ؛ لأنه ربما كان مستخبث الطعام محرما ، ولأن نفس المسلم تعاف كل طعامه ، ولأن مقصود الطعام التواصل به ، واختلاف الدين يمنع من تواصلهما ، فإن دعا مسلم ذميا لم تلزمه الإجابة ، وجها واحدا ؛ لأنه لا يلتزم أحكام شرعنا إلا عن تراض .

                                                                                                                                            [ ص: 559 ] والشرط السادس : أن يصرح بالدعاء ، إما بقول أو مكاتبة أو مراسلة ؛ لأن العرف بجميع ذلك جار ، وصريح الدعاء أن يقول : أسألك الحضور ، أو يقول : أحب أن تحضر ، أو إن رأيت أن تجملني بالحضور ، فتلزمه إجابته بهذا القول كله .

                                                                                                                                            فأما إن قال : إن شئت أن تحضر فافعل ، لم تلزمه إجابته .

                                                                                                                                            قال الشافعي : " وما أحب أن يجيب " .

                                                                                                                                            فإن كاتبه رقعة يسأله الحضور بأحد ما ذكرنا من الألفاظ لزمه الإجابة ، فإن نقصه في الخطاب لم يكن ذلك عذرا في التأخير ، وكذلك لو كان بينهما عداوة أو كان في الوليمة عدو ، لم يكن معذورا في التأخير ، وإن راسله برسول وقع في نفسه وصدقه ، لزمته الإجابة سواء كان حرا أو عبدا ، فإن كان غير بالغ نظر فيه ، فإن كان مميزا لزمته الإجابة بوروده في الرسالة ، وإن كان غير مميز لم يلزم ؛ لأنه لا يحصل ما يقول ، ولا العادة جارية أن يكون مثله رسولا ، فإن قال الداعي لرسوله : ادع من رأيت من غير أن يعين له على أحد ، لم يلزم من دعاه الرسول أن يجيب ؛ لأنه قد يرى أن يدعو من غيره أحب إلى صاحب الطعام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية