الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 12 ) باب المحرم يجتنب الصيد

الفصل الأول

2696 - عن الصعب بن جثامة - رضي الله عنه - أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا . وهو بالأبواء أو بودان ، فرد عليه ، فلما رأى ما فيه وجهه قال : " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) متفق عليه .

التالي السابق


[ 12 ] باب المحرم يجتنب الصيد

يجوز سكونه على الوقف ورفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف هو هذا ، ويحتمل الإضافة ( المحرم يجتنب الصيد ) : أي : اصطياده وقتله وإن لم يأكله ، وأكله وإن ذكاه محرم آخر ، والمراد بالصيد حيوان متوحش بأصل الخلقة بأن كان توالده وتناسله في البر ، أما صيد البحر ، فيحل اصطياده للحلال والمحرم جميعا مأكولا أو غير مأكول لقوله - تعالى : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة والإجماع على هذا النص وإن كان الماء في الحرم ، والله - تعالى - أعلم ، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ، وأما صيد الحرم فلا خصوصية له بالحرم ، فإدراج ابن حجر إياه ليس في محله ، ثم تخصصه بالحرم المكي . وقوله : وقيس لمكة باقي الحرم غريب جدا - والله - تعالى - أعلم - ثم البري المأكول حرام اصطياده على المحرم بالاتفاق ، وأما غير المأكول فقسمه صاحب البدائع على نوعين : نوع يكون مؤذيا طبعا مبتدئا بالأذى غالبا ، فللمحرم أن يقتله ولا شيء عليه نحو : الأسد ، والذئب ، والنمر ، والفهد . ونوع لا يبتدئ بالأذى غالبا ، كالضبع والثعلب وغيرهما ، فله أن يقتله إن عدا عليه ولا شيء عليه ، وهو قول أصحابنا الثلاثة . وقال زفر : يلزمه الجزاء وإن لم يعد عليه لا يباح له أن يبتدئه بالقتل ، وإن قتله ابتداء فعليه الجزاء عندنا .

الفصل الأول

2696 - ( عن الصعب بن جثامة ) : بتشديد المثلثة ( أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا ) : أي : [ ص: 1855 ] حيا ، وقيل : أي بعضه كما بينته روايات أخر لمسلم ، إذ في بعضها لحمه ، وفي بعضها عجزه ، وفي بعضها رجله ، وفي بعضها شقه ، وفي بعضها " عضوا " من لحم صيد ، فرواية لحمه أي : بعضه . ورجله أي مع العجز ، وهو الشق المذكور في الأخرى ، ورواية " عضوا " هو الرجل وما اتصل بها ، فاجتمعت الروايات . ذكره ابن حجر ، والأظهر أنه أهداه حيا أولا ثم أهدى بعضه مذبوحا ، ( وهو ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بالأبواء ) : بفتح الهمزة ; قرية من عمل الفرع على عشرة فراسخ من المدينة ، يمر بها سالك الطريق القديمة الشرقية التي كان - عليه الصلاة والسلام - يسلكها ، وهي غير المسلوكة اليوم ، يفترقان قريب الجحفة ، ويجتمعان قرب المدينة . ( أو بودان ) : بتشديد الدال المهملة قريبة جامعة على ثمانية أميال من الأبواء ، وهي بين الأبواء والجحفة . قال الطيبي - رحمه الله - : موضعان بين مكة والمدينة ، ( فرد ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( عليه ) : أي : على الصعب صيده ، ( فلما رأى ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما في وجهه ) : أي : في وجه الصعب من التغير الناشئ من أثر التأذي من رده عليه الصيد . ( قال ) : أي : اعتذارا وتسلية له ( إنا لم نرده ) : بفتح الدال المشددة وضمها أي : الصيد ( عليك ) : أي : لشيء ( إلا أنا ) : أي : لأنا ( حرم ) : بضمتين أي محرمون ، والحرم جمع حارم وهو من أحرم بنسك .

قال الطيبي - رحمه الله : دل الحديث على أن المحرم لا يجوز له قبول الصيد إذا كان حيا ، وإن جاز له قبوله لحمة ، وقيل : المهدى كان لحم حمار وحشي ، وإنما لم يقبل لأنه ظن أنه صيد لأجله ، ويؤيده حديث أبي قتادة ، وحديث جابر - رحمه الله - اهـ . وسيأتي الكلام عليهما ( متفق عليه ) .

قال ابن الهمام : في مسلم أنه أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - لحم حمار وفي لفظ : رجل حمار ، وفي لفظ : عجز حمار ، وفي لفظ : شق حمار ، فإنه يقتضي حرمة أكل المحرم لحم الصيد مطلقا ، سواء صيد له أو بأمره أم لا . وهو مذهب نقل عن جماعة من السلف منهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مذهبنا مذهب عمر ، وأبي هريرة ، وطلحة بن عبيد الله ، وعائشة - رضي الله عنها - أخرج عنهم ذلك الطحاوي ، وبه قال ابن عباس ، وطاوس ، والثوري - رحمهم الله ، لكن الذي عليه الشافعية مما يأتي التصريح به في حديث أبي قتادة أنه إنما يحرم ، ويكون ميتة إن صاده أو صيد له ، أو دل أو أعان عليه ، أو أشار إليه . قالوا : وزعم أن حديث الصعب في حجة الوداع ، فيكون ناسخا لحديث أن قتادة الآتي غير صحيح ، لأن شرط النسخ تعذر الجمع ، وتعليل الرد بكونهم حرما إنما هو لكونه ظن أنه صيد له ، ويأتي حديث أبي قتادة حيث أكل - صلى الله عليه وسلم - مما اصطاده تارة ، ولم يأكل منه أخرى لو صح ذلك ، وصح أنه - عليه الصلاة والسلام - أتى بالعرج وهو محرم بحمار عقيرة فأباحه له صاحبه فأمر - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فقسمه بين الرفاق ، وصح أن أبا هريرة - رضي الله عنه - استفتي في أكل محرم من لحم ما صاده حلال ، فأفتى بحله ، ثم أخبر عمر فقال : لو أفتيته بغير ذلك لأوجعتك .




الخدمات العلمية