الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4 - باب: وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون إلى قوله وتركنا عليه في الآخرين [الصافات: 123 - 129]

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عباس: يذكر بخير ( سلام على إل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ) [الصافات: 130 - 132] يذكر عن ابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنهما -: أن إلياس هو إدريس.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق: هو إلياس بن تسبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعض أهل العلم: بعثه الله إلى بني إسرائيل بعد مهلك حزقيل. وقال وهب: إن الله لما قبض حزقيل، وعظم في بني إسرائيل الأحداث، ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها فبعث الله إليهم إلياس رسولا.

                                                                                                                                                                                                                              وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون بتجديد ما نسوا من التوراة، فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل اسمه أحاب، وله امرأة اسمها إزبل، وكان يسمع منه ويصدقه، وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنما يقال له بعل.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق: وسمعت بعض أهل العلم يقول: ما كان بعل إلا امرأة يعبدونها من دون الله، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله، وهم لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك، ثم أنه قال يوما [ ص: 311 ] لإلياس: والله ما أدري ما تدعو إليه إلا باطلا، والله ما أدري فلانا وفلانا -فعدد ملوكا مثله من ملوك بني إسرائيل متفرقين بالشام يعبدون الأوثان- إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويشربون، ملوكا ما نقص دنياهم.

                                                                                                                                                                                                                              فيزعمون أنا إلياس استرجع ثم رفضه وخرج عنه، وفعل ذلك الملك فعل أصحابه من عبادة الأوثان، فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر، فذكر لي أنه أوحي إليه أنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم في ذلك، فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم المطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت المواشي والهوام والشجر، ولما دعا عليهم استخفى شفقا على نفسه منهم فكان حيثما كان وضع له رزق، فكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في مكان قالوا: لقد دخل إلياس هذا المكان (فيطلبوه) ويلقى أهل ذلك المنزل منهم شرا، ثم أنه استأذن الله في الدعاء لهم فأذن له، فجاءهم وقال: إن كنتم تجيبون، إن الذي أدعوكم إليه هو الحق وإنكم على باطل فأخرجوا أوثانكم وما تعبدون واجأروا إليهم فإن استجابوا لكم فهي كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ما أنتم عليه، ودعوت الله يفرج عنكم ما أنتم فيه، قالوا: أنصفت، فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم فعرفوا ما هم عليه من الضلالة، ثم سألوا إلياس الدعاء فدعا ربه، قال: فمطروا لساعتهم فحيت بلادهم فلم ينزعوا ولم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه، فدعى الله أن يقبضه فكساه الريش وألبسه النور، وقطع عليه لذة المطعم والمشرب، فكان إنسيا ملكا أرضيا سمائيا يطير مع الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 312 ] وذكر الحاكم حديثا صحح إسناده عن أنس أنه اجتمع مع سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض السفرات، وخالفه ابن الجوزي في تصحيحه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ما ذكره عن ابن مسعود وابن عباس روى الأول عبد بن حميد في "تفسيره" من حديث أبي إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عنه به، والثاني: ذكره جويبر عن الضحاك عنه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو جعفر: اختلف القراء في سلام على إل ياسين فعامة قراء مكة والبصرة والكوفة (إلياسين) بكسر الألف، وكان بعضهم يقول: هو اسم إلياس ويقول: إنه كان يسمى باسمين إلياس وإلياسين مثل: إبراهيم إبراهام. ويستشهدون بأن جميع ما في السورة من قوله سلام إنما هو سلام على النبي الذي ذكر دون آله، فكذلك إلياسين إنما هو سلام على إلياس دون آله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 313 ] وكان بعض أهل العربية يقول: إلياس اسم عبراني والألف واللام منه، ويقول: لو جعلته عربيا من [الإلسى] فتجعله إفعالا [مثل] الإخراج والإدخال، ويقول: قد سلم على إلياسين، فجعله بالنون، والعجمي من الأسماء قد يفعل به العرب هذا، وهي في بني أسد تقول: هذا إسمعين قد جاء وسائر العرب باللام، وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جميعا فتجعل أصحابه داخلين في اسمه كما تقول لقوم رئيسهم المهلب: جاءتكم المهالبة والمهلبون، فيكون بمنزلة قولهم الأشعرين بالتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                              وعامة قراء المدينة (آل ياسين) بقطع آل من ياسين، وعن بعضهم أنه كان يقرأ: (الياس) بترك الهمز في ألف إلياس ويجعل الألف واللام داخلين على ياس للتعريف، ويقولون إنما كان اسمه ياس أدخلت عليه ألف ولام.

                                                                                                                                                                                                                              وقال السدي: سلام على إل ياسين وفي قراءة عبد الله: (إدراسين) لأن عبد الله كان يقول: إلياس هو إدريس. دلالة واضحة على خطأ من قال: عنى بذلك سلام على آل محمد، وفساد قراءة من قرأ: (وإن الياس) بوصل النون من إن بإلياس.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية