الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 65 ]

                                                                                                                                                                                                                                            ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور )

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما عد عليه قبائح أفعاله خوفه ، فقال : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : القول في : " بعثر" مضى في قوله تعالى : ( وإذا القبور بعثرت ) [ الانفطار : 4 ] وذكرنا أن معنى : ( بعثرت ) بعث وأثير وأخرج ، وقرئ " بحثر " .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لقائل أن يسأل لم قال : ( بعثر ما في القبور ) ولم يقل : بعثر من في القبور ؟ ثم إنه لما قال : ما في القبور ، فلم قال : ( إن ربهم بهم ) ولم يقل : إن ربها بها يومئذ لخبير ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب عن السؤال الأول : هو أن ما في الأرض من غير المكلفين أكثر فأخرج الكلام على الأغلب ، أو يقال : إنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء بل بعد البعث يصيرون كذلك ، فلا جرم كان الضمير الأول ضمير غير العقلاء ، والضمير الثاني ضمير العقلاء .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وحصل ما في الصدور ) قال أبو عبيدة ، أي ميز ما في الصدور ، وقال الليث : الحاصل من كل شيء ما بقي وثبت وذهب سواه ، والتحصيل تمييز ما يحصل والاسم الحصيلة قال لبيد :


                                                                                                                                                                                                                                            وكل امرئ يوما سيعلم سعيه إذا حصلت عند الإله الحصائل



                                                                                                                                                                                                                                            وفي التفسير وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : معنى حصل جمع في الصحف ، أي أظهرت محصلا مجموعا .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه لا بد من التمييز بين الواجب ، والمندوب ، والمباح ، والمكروه ، والمحظور ، فإن لكل واحد ، ومنه قيل للمنخل : المحصل .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن كثيرا ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره ، أما في يوم القيامة فإنه تتكشف الأسرار وتنتهك الأستار ، ويظهر ما في البواطن ، كما قال : ( يوم تبلى السرائر ) . [ الطارق : 9 ] واعلم أن حظ الوعظ منه أن يقال : إنك تستعد فيما لا فائدة لك فيه ، فتبني المقبرة وتشتري التابوت ، وتفصل الكفن ، وتغزل العجوز الكفن ، فيقال : هذا كله للديدان ، فأين حظ الرحمن ! بل المرأة إذا كانت حاملا فإنها تعد للطفل ثيابا ، فإذا قلت لها : لا طفل لك فما هذا الاستعداد ؟ فتقول : أليس يبعثر ما في بطني ؟ فيقول الرب لك : ألا يبعثر ما في بطن الأرض ، فأين الاستعداد ، وقرئ " وحصل " بالفتح والتخفيف بمعنى ظهر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية