الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  فضل الجمعة وآدابها :

                                                                  اعلم أن هذا يوم عظيم عظم الله به الإسلام وخص به المسلمين ، قال الله تعالى : [ ص: 44 ] ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) [ الجمعة : 9 ] فحرم الاشتغال بأمور الدنيا وبكل صارف عن السعي إلى الجمعة وقال - صلى الله عليه وسلم - : " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة " وقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه " والعذر مثل : المطر والوحل والفزع والمرض والتمريض إذا لم يكن للمريض قيم ، ونحوها . ويستحب الغسل فيه ولا بأس من تقريبه من الرواح ليكون أقرب عهدا بالنظافة ، ويستحب فيه أخذ الشعر وقلم الظفر وقص الشارب وتطييب الرائحة ولبس أحسن الثياب ، ويستحب البكور إلى الجامع وأن يكون في سعيه خاشعا متواضعا مبادرا إلى ندائه تعالى إلى الجمعة ، وينبغي أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين أيديهم ، والبكور يسهل عليه ذلك ، فقد ورد وعيد شديد في تخطي الرقاب ، ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم وتركوا مواضع الفضيلة . قال " الحسن البصري " - رضي الله عنه - : " تخطوا رقاب الذين يقعدون على أبواب الجامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم " . وإذا دخل المسجد فليركع ركعتين وإن كان الإمام يخطب ، ولا يمر بين يدي الناس بل يجلس إلى أقرب أسطوانة أو حائط حتى لا يمرون بين يديه - أعني بين يدي المصلي - فإن ذلك منهي عنه ، ومن اجتاز به فينبغي أن يدفعه ، فإن لم يجد أسطوانة فلينصب بين يديه شيئا طوله قدر ذراع ليكون ذلك علامة لحده . ويندب طلب الصف الأول فإن فضله كثير ، والقرب من الخطيب ليستمع الخطبة ، وتكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد . وعليه أن يقطع الكلام عند خروج الخطيب ، بل يشتغل بجواب المؤذن ثم باستماع الخطبة ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من قال لصاحبه والإمام يخطب : أنصت فقد لغا ، ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له " وهذا يدل على أن الإسكات ينبغي أن يكون بإشارة أو رمي حصاة لا بالنطق . فإذا قضيت الصلاة فليرجع إلى شأنه ذاكرا الله عز وجل مفكرا في آلائه شاكرا الله تعالى على توفيقه خائفا من تقصيره ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ، ويستحب أن يكثر الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم وفي ليلته ، وأن يتصدق فيه إلا على من سأل والإمام يخطب ، قال " ابن مسعود " : " إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى " يعني هؤلاء السؤال في الجامع الذين يتخطون رقاب الناس إلا أن يسأل قائما أو قاعدا في مكانه من غير تخط . وكره بعض السلف شراء الماء في المسجد من السقاء ليشربه أو يسبله حتى لا يكون مبتاعا في المسجد ، فإن البيع والشراء في المسجد مكروه ، وقالوا لا بأس لو أعطى [ ص: 45 ] الفضة خارج المسجد ثم شرب أو سبل في المسجد . وينبغي أن يزيد في الجمعة في أنواع خيراته ، فإن الله سبحانه إذا أحب عبدا استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية