الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 109 ] [فصل]

في استحباب تحسين الصوت بالقراءة

أجمع العلماء - رضي الله عنهم - من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ، وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة، فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها.

ودلائل هذا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث: زينوا القرآن بأصواتكم وحديث: لقد أوتي هذا مزمارا وحديث: ما أذن الله وحديث: لله أشد أذنا وقد تقدمت كلها في الفصل السابق.

[ ص: 110 ] وتقدم في فضل الترتيل حديث عبد الله بن مغفل في ترجيع النبي - صلى الله عليه وسلم – القراءة، وكحديث سعد بن أبي وقاص وحديث أمامة - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من لم يتغن بالقرآن فليس منا رواه أبو داود بإسنادين جيدين، وفي إسناد سعد اختلاف لا يضر.

قال جمهور العلماء: معنى (لم يتغن) لم يحسن صوته.

وحديث البراء - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه رواه البخاري ومسلم .

قال العلماء - رحمهم الله -: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة، وترتيلها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.

[ ص: 111 ] وأما القراءة بالألحان فقد قال الشافعي - رحمه الله - في موضع: أكرهها.

قال أصحابنا: ليست على قولين، بل فيه تفصيل، إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه، وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه.

وقال أقضى القضاة الماوردي في كتابه الحاوي:

القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه، أو إخراج حركات منه، أو قصر ممدود، أو مد مقصور، أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ، ويتلبس المعنى - فهو حرام، يفسق به القارئ [ ص: 112 ] ويأثم به المستمع؛ لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج، والله تعالى يقول: قرآنا عربيا غير ذي عوج

قال: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا؛ لأنه زاد على ألحانه في تحسينه، هذا كلام أقضى القضاة.

وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة، الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة، يأثم كل مستمع لها، كما قاله أقضى القضاة الماوردي ، ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي، وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك، وأن يجعله في عافية.

قال الشافعي في مختصر المزني : ويحسن صوته بأي وجه كان. قال: وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا.

قال أهل اللغة: يقال: حدرت بالقراءة إذا أدرجتها ولم تمططها.

ويقال: فلان يقرأ بالتحزين إذا رقق صوته.

وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قرأ (إذا الشمس كورت) يحزنها شبه الرثاء .

[ ص: 113 ] وفي سنن أبي داود قيل لابن أبي مليكة : أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ فقال: يحسنه ما استطاع.

التالي السابق


الخدمات العلمية