الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات }

                                                                                                                                                                                                              معناه ، افعلوا الخيرات ، من السبق ، وهو المبادرة إلى الأولية ، وذلك حث على المبادرة والاستعجال إلى الطاعات ، ولا خلاف فيه بين الأمة في الجملة .

                                                                                                                                                                                                              وفي التفضيل اختلاف ; وأعظم مهم اختلفوا في تفضيله الصلاة ; فقال الشافعي : أول الوقت فيها أفضل من غير تفصيل ; لظاهر هذه وغيرها ، كقوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم }

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : آخر الوقت أفضل ; لأنه عنده وقت الوجوب حسبما مهدناه في مسائل الخلاف .

                                                                                                                                                                                                              وأما مالك ففصل القول ; فأما الصبح والمغرب فأول الوقت فيهما أفضل عنده من غير خلاف .

                                                                                                                                                                                                              وأما الظهر والعصر فلم يختلف قوله : إن أول الوقت أفضل للفذ ، وإن الجماعة تؤخر " على ما في حديث عمر رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                              والمشهور في العشاء أن تأخيرها أفضل لمن قدر عليه ، ففي صحيح الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها ليلة حتى رقد الناس [ ص: 67 ] واستيقظوا ، ثم قال : لولا أن أشق على أمتي لأخرتها هكذا . }

                                                                                                                                                                                                              وأما الظهر فإنها تأتي الناس على غفلة فيستحب تأخيرها قليلا حتى يتأهبوا ويجتمعوا .

                                                                                                                                                                                                              وأما العصر فتقديمها أفضل .

                                                                                                                                                                                                              ولا خلاف في مذهبنا أن تأخير الصلاة لأجل الجماعة أفضل من تقديمها ; فإن فضل الجماعة مقدر معلوم ، وفضل أول الوقت مجهول ، وتحصيل المعلوم أولى .

                                                                                                                                                                                                              وأما الصبح فتقديمها أفضل ، لحديث عائشة رضي الله عنها في الصبح : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس } .

                                                                                                                                                                                                              ولحديث جابر رضي الله عنه [ في الصبح أيضا ] : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم في صلاة العشاء قد اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطئوا أخر } .

                                                                                                                                                                                                              والصبح كانوا أو { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس } ; معناه كانوا مجتمعين أو لم يكونوا مجتمعين كان يغلس بها .

                                                                                                                                                                                                              وأما المغرب فلمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الصلاة عند غروب الشمس اقتدي به في ذلك أو امتثل أمره ، وبالجملة فلا يعادل المبادرة إلى أول الوقت شيء .

                                                                                                                                                                                                              قال الله تعالى مخبرا عن موسى صلى الله عليه وسلم : { وعجلت إليك رب لترضى }

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 68 ] وروى الدارقطني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أول الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله } .

                                                                                                                                                                                                              قال : رضوان الله أحب إلينا من عفوه ; فإن رضوانه للمحسنين ، وعفوه للمقصرين .

                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس } .

                                                                                                                                                                                                              ولعله في السفر إذا اجتمع أصحابه ، إذ قد صح عنه أنه قال : { أبردوا حتى رأينا فيء التلول } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية