الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في تخليل اللحية

                                                                                                          29 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية عن حسان بن بلال قال رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته فقيل له أو قال فقلت له أتخلل لحيتك قال وما يمنعني ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عيسى وفي الباب عن عثمان وعائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب قال أبو عيسى وسمعت إسحق بن منصور يقول سمعت أحمد بن حنبل قال قال ابن عيينة لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال حديث التخليل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في تخليل اللحية ) بكسر اللام وسكون الحاء : اسم لجمع من الشعر ينبت على الخدين والذقن .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا ابن أبي عمر ) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر المدني نزيل مكة تقدم ( عن عبد الكريم بن أبي المخارق ) بضم الميم وبالخاء المعجمة المعلم البصري نزيل مكة ، واسم أبيه قيس ، وقيل طارق ضعيف ( أبي أمية ) كنية عبد الكريم ( عن حسان بن بلال ) المزني البصري ، روى عن عمار بن ياسر وحكيم بن حزام وعنه أبو قلابة وأبو بشر وغيرهما ، وثقه ابن المديني .

                                                                                                          قوله : ( فخلل لحيته ) أي أدخل أصابعه في خلال لحيته ( فقيل له ) أي لعمار ( أو قال ) أي حسان بن بلال ( فقلت له ) أي لعمار ( يخلل لحيته ) قال ابن العربي : أي يدخل يده في خللها ، وهي الفروج التي بين الشعر ، ومنه فلان خليل فلان أي يخالل حبه فروج جسمه حتى يبلغ إلى قلبه ، ومنه الخلال ، وبناء ذلك كله يرجع إلى هذا . انتهى .

                                                                                                          والحديث يدل على مشروعية تخليل اللحية في الوضوء . قال الشوكاني : وقد اختلف الناس في ذلك ، فذهب إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل العترة والحسن بن صالح وأبو ثور [ ص: 106 ] والظاهرية ، كذا في البحر ، واستدلوا بما وقع في أحاديث الباب بلفظ : هكذا أمرني ربي ، وذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إلى أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء ، قال مالك وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة ، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وأكثر أهل العلم أن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة ، ولا يجب في الوضوء ، هكذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس ، قال وأظنهم فرقوا بين ذلك والله تعالى أعلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشر . انتهى .

                                                                                                          وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي : اختلف العلماء في تخليلها على أربعة أقوال :

                                                                                                          أحدها : أنه لا يستحب ، قاله مالك .

                                                                                                          الثاني : أنه يستحب ، قاله ابن حبيب .

                                                                                                          الثالث : أنها إن كانت خفيفة وجب إيصال الماء إليها ، وإن كانت كثيفة لم يجب ذلك قاله مالك ، عن عبد الوهاب .

                                                                                                          الرابع : من علمائنا من قال يغسل ما قابل الذقن إيجابا وما وراءه استحبابا ، وفي تخليل اللحية في الجنابة روايتان عن مالك إحداهما أنه واجب وإن كثفت رواه ابن وهب ، وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم أنه سنة; لأنها قد صارت في حكم الباطن كداخل العين ، ووجه آخر وهو قول أبي حنيفة والشافعي أن الفرض قد انتقل إلى الشعر بعد نباته كشعر الرأس . انتهى كلام ابن العربي .

                                                                                                          قلت : أرجح الأقوال وأقواها عندي هو قول أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( نا سفيان ) هو ابن عيينة ( عن سعيد بن أبي عروبة ) اليشكري مولاهم أبي النضر البصري ، ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة ( عن قتادة ) ابن دعامة السدوسي البصري الأكمه ، ثقة ثبت مدلس ، احتج به أرباب الصحاح ( عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذه الرواية : حسان ثقة لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد ولا قتادة من حسان . انتهى ، [ ص: 107 ] فحديث عمار من هذا الطريق ضعيف ، ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن حسان أيضا ضعيف لأنه لم يسمع منه هذا الحديث كما بينه الترمذي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب ) أما حديث عائشة فأخرجه أحمد من رواية طلحة بن عبد الله بن كريز عنها ، وإسناده حسن ، كذا في التلخيص . وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني والعقيلي والبيهقي بلفظ : كان إذا توضأ خلل لحيته ، وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث ، كذا في التلخيص . وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود بلفظ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي ، وفي إسناده الوليد بن ذروان وهو مجهول الحال ، وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة ، قاله الحافظ . وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور ، وفي إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف ، وهو في الطبراني أيضا كذا في التلخيص . وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجه والعقيلي وأحمد والترمذي في العلل ، وفيه أبو سورة لا يعرف .

                                                                                                          قلت : وفي الباب أيضا عن ابن عباس وابن عمر وأبي أمامة وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وأبي بكرة وجابر بن عبد الله وجرير وعبد الله بن عكبرة ، ذكر أحاديث هؤلاء مع الكلام عليها الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية والحافظ في التلخيص ، قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل : سمعت أبي يقول : لا يثبت في تخليل اللحية حديث . انتهى ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس في تخليل اللحية شيء صحيح . انتهى .

                                                                                                          قلت : قولهما هذا معارض بتصحيح الترمذي لحديث عثمان الآتي وبتصحيح الحاكم وابن القطان وغيرهما لبعض أحاديث الباب غيره ، ولا شك في أن أحاديث تخليل اللحية كثيرة ومجموعها يدل على أن لها أصلا ، كيف وقد صحح الترمذي حديث عثمان وحسنه الإمام البخاري كما ستعرف ، وحسن الحافظ ابن حجر حديث عائشة وهي بمجموعها تصلح للاحتجاج على استحباب تخليل اللحية في الوضوء وهذا هو الحق عندي والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية