الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الخامسة : النسبة المنفية إذا قيدت بحال تسلط النفي على الحال ، وللعرب فيه طريقان : أكثرهما نفي المقيد ، وهو الحال ، فتقول : ما زيد أقبل ضاحكا فيكون الضحك منفيا ، وزيد قد أقبل غير ضاحك والثاني : نفي المقيد والقيد ، فيكون زيد لم يضحك ولم يقبل ، ومن ثم رد على أبي البقاء تجويزه عمل { بمؤمنين } في الحال ، وهو { يخادعون } إذ ليس معنى الآية نفي الخداع ألبتة ، والعجب منه كيف تنبه فمنع الصفة ؟ وعلله بما ذكرنا ، وأجاز الحال ولا فرق . ولأبي البقاء أن يقول : الفرق واضح ، فإذا قلت : ما زيد ضاحك راكبا فمعناه نفي الضحك في حال الركوب ، وهو لا يستلزم نفي حال [ ص: 256 ] الركوب ; إذ الحال كالظرف ، فالمنفي الكون الواقع في الحال لا الحال كما في قولك : ما زيد ضاحك في الدار ، وهذا بخلاف الصفة ; إذ هي كون من الأكوان فيقتضي نفيها به .

                                                      وقال بعض المتأخرين : يظن كثير من الناس ممن لا تحقيق له أن في مدلول { لا يسألون الناس إلحافا } وقوله : { ولا شفيع يطاع } ونظائره مذهبان : أحدهما : نفي الإلحاف وحده . والثاني : نفي السؤال والإلحاف معا ، وينشد :

                                                      على لاحب لا يهتدى بمناره

                                                      ولم يقل أحد إن نفيهما معا في الآية من مدلول اللفظ بل هو من جملة محامله ، كما أن زيدا من جملة محامل رجل ، وقد تقرر في المعقول أن القضية السالبة لا تستدعي وجود موضوعها فكذلك سلب الصفة لا يستدعي وجود الموصوف ولا نفيه . والحاصل : أن اللفظ محتمل ، ولا دلالة له على واحد من الطرفين بعينه ، وليس هو مترددا بينهما بل مدلوله أعم منهما وإن كان الواقع لا يخلو عن أحدهما ، والمتحقق فيه انتقاء الصفة ; لأنه على التقديرين ، وانتفاء الموصوف محتمل .

                                                      لا دلالة لنفي المركب على انتفائه ولا ثبوته ، لكن إذا جعلنا الصفة تشعر به نزع إلى القول بعموم الصفة ، فمن أنكره فواضح ، ومن أثبته وقال : إنه من جهة العلة فكذلك ; لأن محله إذا كانت الصفة المحكوم عليها والحكم معللا بها فلا يثبت عند انتفائها ، وهنا الصفة في الحكم ، ومن أثبته ، وقال : إنه من جهة اللفظ فيناسبه القول به هنا إلا أن يظهر غرض سواه كما هو مبين هناك .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية