الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
2715 - عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة nindex.php?page=hadith&LINKID=10355502لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية . وإذا استنفرتم فانفروا ، وقال يوم فتح مكة : nindex.php?page=treesubj&link=31577_31069_25026_29389_30915_25508_25511_30674إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها ، فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال إلا الإذخر . متفق عليه .
أي : حرمة حزمها ( حرسها الله - تعالى - ) أي حماها وحفظها من الآفات الحسية والعاهات المعنوية .
الفصل الأول
2715 - ( عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ) نصب على الظرفية ( لا هجرة ) من مكة إلى المدينة مفروضة ( بعد الفتح ) كما كانت قبله ، بل قيل : إنها كانت ركنا من أركان الإيمان ( ولكن جهاد ونية ) أي بقي فرض الجهاد والنية الخالصة ، يعني الإخلاص في العمل الشامل للهجرة والجهاد وغيرهما ، وقيل : أي قصد وعزم على nindex.php?page=treesubj&link=26065إعلاء الدين بالهجرة عن المعاصي قال الطيبي - رحمه الله : كانت الهجرة من مكة إلى المدينة ، فلما فتح مكة انقطعت تلك الهجرة المفروضة ، فلا تنال بالهجرة تلك الدرجة التي حصلت للمهاجرين ، لكن ينال الأجر بالجهاد وإحسان النية ، وأما الهجرة التي تكون لصلاح دين المسلم فإنها باقية مدى الدهر ، وفي الحديث من [ ص: 1864 ] أعلام نبوته وهو إخباره أن مكة تدوم دار الإسلام ، فلا يتصور منها هجرة في سائر الأيام ( وإذا استنفرتم ) بصيغة المجهول ، أي إذا طلبتم للنفر وهو الخروج إلى الجهاد ، ووقع في أصل ابن حجر : فإذا استنفرتم . بالفاء مخالفا للأصول المتعمدة فتكلف بقوله مقدرا وإذا وجب الجهاد مع النية الصالحة فإذا استنفرتم ( فانفروا ) بكسر الفاء أي اخرجوا لقوله - تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( وقال يوم فتح مكة ) أعاده تأكيدا ، أو إشارة إلى وقوع هذا القول وقتا آخر من ذلك اليوم - والله - تعالى - أعلم ( إن هذا البلد ) أي مكة يعني حرمها ، أو المراد بالبلد أرض الحرم جميعها ( حرمة الله ) أي حرم على الناس هتكه وأوجب تعظيمه ( يوم خلق السماوات والأرض ) أي تحريمه شريعة سالفة ، مستمرة وقيل معناه : إنه كتب الله في اللوح أن إبراهيم سيحرم مكة ، والتحقيق nindex.php?page=treesubj&link=24108_31854_31857إن إبراهيم أظهر حرمتها ، وحدد بقعتها ، ورفع كعبتها ، بعدما اندرست بسبب الطوفان الذي هدم بناء آدم وبين حدود الحرم ( فهو ) أن البلد ( حرام ) أي محرم محترم ( بحرمة الله ) أي بتحريمه - تعالى - ( إلى يوم القيامة ) إيماء إلى عدم نسخه ( وإنه ) أي الشأن ( لن يحل ) أي لم يحل ( القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل ) أي القتال لي ( إلا ساعة من نهار ) دل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرا كما هو عندنا ، أي أحل لي ساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر ( فهو ) أي البلد ( حرام ) أي على كل أحد بعد تلك الساعة ( بحرمة الله ) أي المؤبدة ( إلى يوم القيامة ) أي النفخة الأولى ( لا يعضد ) أي لا يقطع ( شوكه ) أي ولو يحصل التأذي به وأما قول بعض الشافعية - رحمهم الله - أنه يجوز nindex.php?page=treesubj&link=25508قطع الشوك المؤذي فمخالف لإطلاق النص ، ولذا جرى جمع من متأخريهم على حرمة قطعه مطلقا ، وصححه النووي - رحمه الله - في شرح مسلم ، واختاره في عدة كتبه ، وأما قول الخطاب : كل أهل العلم على إباحة قطع الشوك ويشبه أن يكون المحظور منه الشوك الذي يرعاه الإبل وهو ما دق دون الصلب الذي لا ترعاه فإنه يكون بمنزلة الحطب ، فلعله أراد بأهل العلم علماء المالكية - رحمهم الله - ( ولا ينفر ) بتشديد الفاء المفتوحة ( صيده ) أي لا يتعرض له بالاصطياد والإيحاش والإيهاج ( ولا يلتقط ) بصيغة المجهول ( لقطه ) بضم اللام وفتح القاف ، أي لا تؤخذ ساقطته ( إلا من عرفها ) بالتشديد ، والاستثناء منقطع ، وفي نسخة بصيغة المعلوم وهو ظاهر ، إذا التقدير لا يلتقطها أحد إلا من عرفها ليرده على صاحبها ولم يأخذها لنفسه وانتفاعها ، قيل : أي ليس في لقطة الحرم إلا التعريف فلا يتملكها أحد ولا يتصدق بها ، وعليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقيل : حكمها كحكم غيرها ، والمقصود من ذكرها أن لا يتوهم تخصيص تعريفها بأيام الموسم وعليه أبو حنيفة ومن تبعه ( ولا يختلى ) بصيغة المجهول ( خلاها ) . بفتح الخاء مقصورا ، أي : لا يقتطع نباتها وحشيشها . قال بعض أئمتنا : الخلا مقصورا الرطب من النبات ، كما أن الحشيش هو اليابس منها ، ولا فرق بين الرطب واليابس في حرمة القطع وعليه الأكثرون . اهـ . وهذا خلاف المشهور من المذهب . قال الشمني بعد قوله : وكذا إن nindex.php?page=treesubj&link=25507ذبح الحلال صيد الحرم أي لزمه قيمته ويهدي بها أو يطعم ولا يجزئه الصوم ، أو قطع حشيشة أو شجرة إلا مملوكا ; أي : للقاطع أو منبتا أو جافا ; أي : يابسا .
( فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر ) بالنصب في أكثر النسخ ، وفي بعضها بالرفع وهو تلقين والتماس ; أي : قل إلا الإذخر بكسر الهمزة والخاء المعجمة بينهما ذال معجمة ساكنة ، وهو نبت عريض الأوراق ( فإنه ) : أي : الإذخر نافع ومحتاج إليه ( لقينهم ) : القين الحداد ، وكذا الصياغ فإنهم يحرقونه بدل الحطب والفحم . ( ولبيوتهم ) أي لسقفها وكذا لسقف قبورهم ، والمعنى لبيوتهم حال حياتهم ومماتهم ، ( فقال : " إلا الإذخر " . متفق عليه ) . [ ص: 1865 ]