الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل ) الشرط ( الثالث ) للشفعة ( المطالبة بها على الفور ) ساعة يعلم بالبيع لقوله صلى الله عليه وسلم { الشفعة [ ص: 141 ] لمن واثبها } رواه الفقهاء في كتبهم ورده الحارثي بأنه لا يعرف في كتب الحديث ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا في رواية { الشفعة كحل العقال } رواه ابن ماجه ولأن ثبوتها على التراخي ربما أضر بالمشتري ; لعدم استقرار ملكه ( بأن يشهد ) الشفيع ( بالطلب ) بالشفعة ( حين يعلم ) بالبيع ( إن لم يكن ) للشفيع ( عذر ) يمنعه من الطلب ( ثم ) إذا أشهد على الطلب ( له أن يخاصم ) المشتري ( ولو بعد أيام ) أو أشهر أو سنين ; لأن إشهاده دليل على رغبته .

                                                                                                                      ( ولا يشترط في المطالبة حضور المشتري لكن إن كان المشتري غائبا عن المجلس حاضرا في البلد فالأولى أن يشهد على الطلب ) خروجا من خلاف من اشترطه كالقاضي في الجامع الصغير وأبي حنيفة والمراد من عدم اشتراط حضور المشتري عند المطالبة : أنه لا تعتبر مواجهة الشفيع له قال الحارثي : المذهب الإجزاء ونقله عن ابن الزاغوني قال : وهو ظاهر ما نقله أبو طالب عن أحمد وهو قياس المذهب أيضا وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في رءوس مسائله والقاضي أبي الحسين في تمامه وصرح به في المحرر لكن بقيد الإشهاد وهو المنصوص من رواية أبي طالب والأثرم وهذا اختيار أبي بكر وإيراد المصنف - أي : الموفق - هنا يقتضي عدم الإجزاء وأن الواجب المواجهة قال : وقد صرح به في العمدة انتهى .

                                                                                                                      والثاني مقتضى كلامه في المنتهى ( ولا ) على الأول : فالأولى أيضا أن ( يبادر ) الشفيع ( إلى المشتري ) فيطالبه ( بنفسه أو بوكيله ) بالشفعة خروجا من الخلاف ( فإن بادر هو ) أي : الشفيع ( أو ) بادر .

                                                                                                                      ( وكيله ) فطالب المشتري بالشفعة ( من غير إشهاد ) أنه على شفعته ( فهو على شفعته ) لعدم تأخيره الطلب ( فإن كان ) للشفيع ( عذر ) يمنعه الطلب ( مثل أن لا يعلم ) بالبيع فأخر إلى أن علم وطالب ساعة علم ( أو علم ) الشفيع بالبيع ( ليلا فأخره ) أي : الطلب ( إلى الصبح ) مع غيبة مشتر عنه ( أو ) أخر الطلب ( لشدة جوع أو عطش حتى يأكل ويشرب ) مع غيبة مشتر ( أو ) أخر الطلب محدث ( لطهارة ) مع غيبة ( أو ) أخره ل ( إغلاق باب أو ليخرج من الحمام أو ليقضي حاجته ) من بول أو غائط ( أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة بسننها أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها ونحوه ) كمن علم وقد انحرق ثوبه أو ضاع منه مال فأخر الطلب ليرقع ثوبه أو يلتمس ما سقط منه ( لم تسقط ) الشفعة ; لأن العادة تقديم هذه الحوائج ونحوها على غيرها فلا يكون الاشتغال بها رضا بترك الشفعة .

                                                                                                                      كما [ ص: 142 ] لو أمكنه أن يسرع في مشيه أو يحرك دابته فلم يفعل ومضى على حسب عادته ( إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده ) أي : الشفيع ( في هذه الأحوال ) فتسقط بتأخيره ; لأنه مع حضوره يمكنه مطالبته من غير اشتغال عن أشغاله ( إلا الصلاة ) فلا تسقط الشفعة بتأخير الطلب للصلاة وسننها ولو مع حضور المشتري عند الشفيع ; لأن العادة بتأخير الكلام عن الصلاة ( وليس عليه ) أي : الشفيع ( تخفيفها ) أي : الصلاة ( ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ ) في الصلاة ; لأن إكمالها لا يدل على رغبته عن الشفعة .

                                                                                                                      ( فإذا فرغ ) الشفيع ( من حوائجه مضى على حسب عادته إلى المشتري ) ليطالبه بالشفعة ( وليس عليه ) أي : الشفيع ( أن يسرع في مشيه ) إن مشى ( أو يحرك دابته ) إن ركب ; لأن الطلب المشروط هو الطلب بحكم العادة ( فإذا لقيه بدأه بالسلام ثم يطالب ) ; لأنه السنة .

                                                                                                                      وفي الحديث { من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه } رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر ( فإن قال ) الشفيع ( بعد السلام متصلا : بارك الله لك في صفقة يمينك أو دعا له ) أي : للمشتري ( بالمغفرة ونحو ذلك ) كان دعاء له بالمعونة ( لم تبطل شفعته ; لأن ذلك يتصل بالسلام فهو من جملته والدعاء له ) .

                                                                                                                      أي : للمشتري ( بالبركة في الصفقة دعاء ) من الشفيع ( لنفسه ; لأن الشقص يرجع إليه ) أي : الشفيع إذا أخذه بالشفعة ( فلا يكون ) ذلك الدعاء ( رضا ) بترك الشفعة ( فإن اشتغل ) الشفيع ( بكلام آخر ) غير الدعاء ( أو ) سلم ثم ( سكت لغير حاجة بطلت ) شفعته لفوات شرطها وهو الفور .

                                                                                                                      ( ويملك ) الشفيع ( الشقص ) المشفوع ( بالمطالبة ) بالشفعة ( ولو لم يقبضه مع ملاءته بالثمن ) ; لأن البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالإيجاب في البيع إذا انضم إليه القبول ( فيصح تصرفه ) أي : الشفيع ( فيه ) أي : الشقص المشفوع لانتقال الملك إليه ( ويورث ) الشقص ( عنه ) أي : الشفيع إذا مات بعد الطلب كسائر أملاكه .

                                                                                                                      ( ولا يعتبر ) لانتفال الملك إلى الشفيع ( رضا مشتر ) ; لأنه يؤخذ منه قهرا والمقهور لا يعتبر رضاه ( ولفظ الطلب ) للآخذ بالشفعة أن يقول ( أنا طالب ) بالشفعة ( أو ) أنا ( مطالب ) بالشفعة ( أو ) أنا ( آخذ بالشفعة و ) أنا ( قائم عليها ) أي : الشفعة .

                                                                                                                      ( ونحوها مما يفيد محاولة الأخذ ) بالشفعة كتملكت الشقص أو انتزعته من مشتريه أو ضممته إلى ما كنت أملكه من العين ( فإن أخر ) الشريك ( الطلب مع إمكانه ) أي : الطلب ( ولو جهلا باستحقاقها ) أي : الشفعة سقطت ; لأنه لا يعذر بذلك لعدم خفائه غالبا ( أو ) أخر الطلب ( جهلا بأن التأخير مسقط لها [ ص: 143 ] ومثله لا يجهله سقطت ) شفعته لعدم عذره ( إلا أن يعلم ) الشريك بالبيع ( وهو غائب عن البلد فيشهد على الطلب بها فلا تسقط ) شفعته .

                                                                                                                      ( ولو أخر المبادرة إلى الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه ) ; لأن إشهاده بالطلب دليل على الرغبة وعلى أنه لا مانع له من الطلب إلا قيام العذر به وكالغائب مريض ومحبوس .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية