الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما دل هذا كله على أنه دعا على أعداء الله، دعا أيضا لأوليائه وبدأ بنفسه لأنه رأس تلك الأمة، فقال مسقطا على عادة أهل الخصوص: رب أي أيها المحسن إلي باتباع من اتبعني وتجنب من تجنبني، فإن من كانت طبيعته طبعت على شيء لا تحول عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقام الأعلى أجل من أن يقدره أحد حق قدره قال: اغفر لي أي فإنه لا يسعني وإن كنت معصوما إلا حلمك وعفوك [ ص: 459 ] ورحمتك. ولما أظهر بتواضعه عظمة الله سبحانه وتعالى رتب المدعو لهم [ على -] الأحق فالأحق [ فقال-] : ولوالدي وكانا مؤمنين وهما لمك بن متوشلخ وشمخاء بنت أنوش، قال أبو حيان : وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكفر لنوح عليه السلام أب فيما بينه وبين آدم عليهم الصلاة والسلام. وأعاد الجار [ إظهارا -] للاهتمام فقال: ولمن دخل بيتي لأن المتحرم بالإنسان له حق أكيد لا سيما إن كان مخلصا في حبه، ولذا قال: مؤمنا ولما خص عم وأعاد الجار أيضا اهتماما فقال: وللمؤمنين والمؤمنات أي العريقين في هذا الوصف في [ كل -] أمة إلى آخر الدهر [ و-] لا تزدهم في حال من الأحوال شيئا من الأشياء إلا مفازا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير بما أرشد إليه الاحتباك: ولا تكرم المارقين، عطف عليه قوله: ولا تزد الظالمين أي العريقين في الظلم في حال من الأحوال إلا تبارا أي إلا هلاكا مدمرا مفتتا لصورهم قاطعا لأعقابهم مخربا لديارهم وكما استجاب الله سبحانه وتعالى له في أهل الإيمان والكفران من أهل ذلك الزمان فكذلك يستجيب له في أهل الإيمان وأهل الخسران بالسعادة والتبار في جميع الأعصار [ ص: 460 ] إلى أن يقفوا بين يدي العزيز الجبار، والآية من الاحتباك: إثبات الدعاء المقتضي لأصل إكرام المؤمنين أولا مرشد إلى حذف الدعاء المفهم لأصل إهانة الكافرين ثانيا، وإثبات الدعاء بزيادة التبار [ ثانيا مفهم لحذف الدعاء الموجب لزيادة المفاز أولا، وهذا الآخر المفصح بالتبار -] هو ما أرشد إليه الابتداء بالإنذار، فقد انطبق الآخر على الأول على أصرح وجه وأكمل، وأحسن حال وأجمل منال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله تعالى على كل حال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية