الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عرا ]

                                                          عرا : عراه عروا واعتراه ، كلاهما : غشيه طالبا معروفه ، وحكى ثعلب : أنه سمع ابن الأعرابي يقول : إذا أتيت رجلا تطلب منه حاجة قلت عروته وعررته واعتريته ، واعتررته ، قال الجوهري : عروته أعروه إذا ألممت به وأتيته طالبا ، فهو معرو . وفي حديث أبي ذر : ما لك لا تعتريهم وتصيب منهم ؟ هو من قصدهم وطلب رفدهم وصلتهم . وفلان تعروه الأضياف وتعتريه أي تغشاه ، ومنه قول النابغة :


                                                          أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون

                                                          وقوله عز وجل : إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء .

                                                          قال الفراء : كانوا كذبوه - يعني هودا - ثم جعلوه مختلطا ، وادعوا أن آلهتهم هي [ ص: 128 ] التي خبلته لعيبه إياها ، فهنالك قال : إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون . قال الفراء : معناه ما نقول إلا مسك بعض أصنامنا بجنون لسبك إياها . وعراني الأمر يعروني عروا واعتراني : غشيني وأصابني ، قال ابن بري : ومنه قول الراعي :


                                                          قالت خليدة ما عراك ولم تكن     بعد الرقاد عن الشئون سئولا

                                                          وفي الحديث : كانت فدك لحقوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي تعروه أي تغشاه وتنتابه . وأعرى القوم صاحبهم : تركوه في مكانه وذهبوا عنه . والأعراء : القوم الذين لا يهمهم ما يهم أصحابهم . ويقال : أعراه صديقه ، إذا تباعد عنه ولم ينصره . وقال شمر : يقال لكل شيء أهملته وخليته : قد عريته ، وأنشد :


                                                          أيجع ظهري وألوي أبهري     ليس الصحيح ظهره كالأدبر
                                                          ولا المعرى حقبة كالموقر



                                                          والمعرى : الجمل الذي يرسل سدى ولا يحمل عليه ، ومنه قول لبيد يصف ناقة :


                                                          فكلفتها ما عريت وتأبدت     وكانت تسامي بالعزيب الجمائلا

                                                          قال : عريت ألقي عنها الرحل وتركت من الحمل عليها وأرسلت ترعى . والعرواء : الرعدة ، مثل الغلواء . وقد عرته الحمى ، وهي قرة الحمى ومسها في أول ما تأخذ بالرعدة . قال ابن بري : ومنه قول الشاعر :


                                                          أسد تفر الأسد من عروائه     بمدافع الرجاز أو بعيون

                                                          الرجاز : واد ، وعيون : موضع ، وأكثر ما يستعمل فيه صيغة ما لم يسم فاعله .

                                                          ويقال : عراه البرد وعرته الحمى ، وهي تعروه إذا جاءته بنافض ، وأخذته الحمى بعروائها ، واعتراه الهم ، عام في كل شيء .

                                                          قال الأصمعي : إذا أخذت المحموم قرة ووجد مس الحمى فتلك العرواء ، وقد عري الرجل - على ما لم يسم فاعله - فهو معرو ، وإن كانت نافضا قيل : نفضته ، فهو منفوض ، وإن عرق منها فهي الرحضاء . وقال ابن شميل : العرواء قل يأخذ الإنسان من الحمى ورعدة . وفي حديث البراء بن مالك : أنه كان تصيبه العرواء وهي في الأصل برد الحمى . وأخذته الحمى بنافض أي برعدة وبرد . وأعرى إذا حم العرواء . ويقال : حم عرواء ، وحم العرواء ، وحم عروا . والعراة : شدة البرد . وفي حديث أبي سلمة : كنت أرى الرؤيا أعرى منها أي يصيبني البرد والرعدة من الخوف . والعرواء : ما بين اصفرار الشمس إلى الليل إذا اشتد البرد وهاجت ريح باردة . وريح عري وعرية : باردة ، وخص الأزهري بها الشمال فقال : شمال عرية باردة ، وليلة عرية باردة ، قال ابن بري : ومنه قول أبي دواد :


                                                          وكهول عند الحفاظ مراجي     ح يبارون كل ريح عريه

                                                          وأعرينا : أصابنا ذلك وبلغنا برد العشي . ومن كلامهم : أهلك فقد أعريت ، أي غابت الشمس وبردت . قال أبو عمرو : العرى البرد ، وعريت ليلتنا عرى ، وقال ابن مقبل :

                                                          وكأنما اصطبحت قريح سحابة     بعرى تنازعه الرياح زلال

                                                          قال : العرى مكان بارد . وعروة الدلو والكوز ونحوه : مقبضه . وعرى المزادة : آذانها . وعروة القميص : مدخل زره . وعرى القميص وأعراه : جعل له عرى . وفي الحديث : لا تشد العرى إلا إلى ثلاثة مساجد . هي جمع عروة ، يريد عرى الأحمال والرواحل . وعرى الشيء : اتخذ له عروة . وقوله تعالى : فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها شبه بالعروة التي يتمسك بها .

                                                          قال الزجاج : العروة الوثقى قول لا إله إلا الله ، وقيل : معناه فقد عقد لنفسه من الدين عقدا وثيقا لا تحله حجة . وعروتا الفرج : لحم ظاهر يدق ، فيأخذ يمنة ويسرة مع أسفل البطن ، وفرج معرى إذا كان كذلك . وعرى المرجان : قلائد المرجان . ويقال لطوق القلادة : عروة . وفي " النوادر " : أرض عروة وذروة وعصمة إذا كانت خصيبة خصبا يبقى . والعروة من النبات : ما بقي له خضرة في الشتاء تتعلق به الإبل حتى تدرك الربيع ، وقيل : العروة الجماعة من العضاه خاصة يرعاها الناس إذا أجدبوا ، وقيل : العروة بقية العضاه والحمضض في الجدب ، ولا يقال لشيء من الشجر عروة إلا لها ، غير أنه قد يشتق لكل ما بقي من الشجر في الصيف . قال الأزهري : والعروة من دق الشجر ما له أصل باق في الأرض ، مثل العرفج ، والنصي ، وأجناس الخلة ، والحمض ، فإذا أمحل الناس عصمت العروة الماشية فتبلغت بها ، ضربها الله مثلا لما يعتصم به من الدين في قوله تعالى : فقد استمسك بالعروة الوثقى وأنشد ابن السكيت :


                                                          ما كان جرب عند مد حبالكم     ضعف يخاف ولا انفصام في العرى

                                                          قوله : انفصام في العرى أي ضعف فيما يعتصم به الناس .

                                                          الأزهري : العرى سادات الناس الذين يعتصم بهم الضعفاء ويعيشون بعرفهم ، شبهوا بعرى الشجر العاصمة الماشية في الجدب . قال ابن سيده : والعروة أيضا الشجر الملتف الذي تشتو فيه الإبل فتأكل منه ، وقيل : العروة الشيء من الشجر الذي لا يزال باقيا في الأرض ولا يذهب ، ويشبه به البنك من الناس ، وقيل : العروة من الشجر ما يكفي المال سنته ، وهو من الشجر ما لا يسقط ورقه في الشتاء مثل الأراك والسدر الذي يعول الناس عليه إذا انقطع الكلأ ؛ ولهذا قال أبو عبيدة : إنه الشجر الذي يلجأ إليه المال في السنة المجدبة فيعصمه من الجدب ، والجمع عرى ، قال مهلهل :


                                                          خلع الملوك وسار تحت لوائه     شجر العرى وعراعر الأقوام

                                                          يعني قوما ينتفع بهم تشبيها بذلك الشجر . قال ابن بري : ويروى البيت لشرحبيل بن مالك يمدح معدي كرب بن عكب . قال : وهو [ ص: 129 ] الصحيح ، ويروى عراعر وعراعر ، فمن ضم فهو واحد ، ومن فتح جعله جمعا ، ومثله جوالق ، وجوالق ، وقماقم ، وقماقم ، وعجاهن ، وعجاهن ، قال : والعراعر هنا السيد ، وقول الشاعر :


                                                          ولم أجد عروة الخلائق إلا الدي     ن لما اعتبرت والحسبا

                                                          أي عماده . ورعينا عروة مكة لما حولها . والعروة : النفيس من المال كالفرس الكريم ونحوه . والعري : خلاف اللبس . عري من ثوبه يعرى عريا وعرية فهو عار ، وتعرى هو عروة شديدة أيضا وأعراه وعراه ، وأعراه من الشيء وأعراه إياه ، قال ابن مقبل في صفة قدح :


                                                          به قرب أبدى الحصى عن متونه     سفاسق أعراها اللحاء المشبح

                                                          ورجل عريان ، والجمع : عريانون ، ولا يكسر ، ورجل عار من قوم عراة ، وامرأة عريانة وعار وعارية . قال الجوهري : وما كان على فعلان فمؤنثه بالهاء . وجارية حسنة العرية والمعرى والمعراة ، أي المجرد ، أي حسنة عند تجريدها من ثيابها ، والجمع المعاري ، والمحاسر من المرأة مثل المعاري ، وعري البدن من اللحم كذلك ، قال قيس بن ذريح :


                                                          وللحب آيات تبين بالفتى     شحوبا وتعرى من يديه الأشاجع

                                                          ، ويروى : تبين شحوب . وفي الحديث في صفته - صلى الله عليه وسلم - : عاري الثديين ويروى : الثندوتين ، أراد أنه لم يكن عليهما شعر ، وقيل : أراد لم يكن عليهما لحم ، فإنه قد جاء في صفته - صلى الله عليه وسلم - : أشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر . الفراء : العريان من النبت الذي قد عري عريا إذا استبان لك . والمعاري : مبادي العظام حيث ترى من اللحم ، وقيل : هي الوجه واليدان والرجلان ; لأنها بادية أبدا ، قال أبو كبير الهذلي يصف قوما ضربوا فسقطوا على أيديهم وأرجلهم :


                                                          متكورين على المعاري بينهم     ضرب كتعطاط المزاد الأثجل

                                                          ويروى : الأنجل ، ومتكورين أي بعضهم على بعض . قال الأزهري : ومعاري رءوس العظام حيث يعرى اللحم عن العظم . ومعاري المرأة : ما لا بد لها من إظهاره ، واحدها معرى . ويقال : ما أحسن معاري هذه المرأة ، وهي يداها ورجلاها ووجهها ، وأورد بيت أبي كبير الهذلي . وفي الحديث : لا ينظر الرجل إلى عرية المرأة قال ابن الأثير : كذا جاء في بعض روايات مسلم ، يريد ما يعرى منها وينكشف ، والمشهور في الرواية : لا ينظر إلى عورة المرأة ، وقول الراعي :


                                                          فإن تك ساق من مزينة قلصت     لقيس بحرب لا تجن المعاريا

                                                          قيل في تفسيره : أراد العورة والفرج ، وأما قول الشاعر الهذلي :


                                                          أبيت على معاري واضحات     بهن ملوب كدم العباط

                                                          فإنما نصب الياء لأنه أجراها مجرى الحرف الصحيح في ضرورة الشعر ، ولم ينون لأنه لا ينصرف ، ولو قال : " معار " لم ينكسر البيت ، ولكنه فر من الزحاف . قال ابن سيده : والمعاري الفرش ، وقيل : إن الشاعر عناها ، وقيل : عنى أجزاء جسمها واختار معاري على معار ; لأنه آثر إتمام الوزن ، ولو قال : " معار " لما كسر الوزن ; لأنه إنما كان يصير من مفاعلتن إلى مفاعيلن ، وهو العصب ، ومثله قول الفرزدق :


                                                          فلو كان عبد الله مولى هجوته     ولكن عبد الله مولى مواليا

                                                          قال ابن بري : هو للمتنخل الهذلي . قال : ويقال عري زيد ثوبه ، وكسي زيد ثوبا ، فيعديه إلى مفعول ، قال ضمرة بن ضمرة :

                                                          أرأيت إن صرخت بليل هامتي     وخرجت منها عاريا أثوابي

                                                          وقال المحدث :


                                                          أما الثياب فتعرى من محاسنه     إذا نضاها ويكسى الحسن عريانا

                                                          قال : وإذا نقلت أعريت - بالهمز - قلت : أعريته أثوابه ، قال : وأما كسي فتعديه من فعل إلى فعل فتقول : كسوته ثوبا ، قال الجوهري : وأعريته أنا وعريته تعرية فتعرى .

                                                          أبو الهيثم : دابة عري ، وخيل أعراء ، ورجل عريان ، وامرأة عريانة - إذا عريا من أثوابهما . ولا يقال : رجل عري . ورجل عار : إذا أخلقت أثوابه ، وأنشد الأزهري هنا بيت النابغة :

                                                          أتيتك عاريا خلقا ثيابي وقد تقدم . والعريان من الرمل : نقا أو عقد ليس عليه شجر . وفرس عري : لا سرج عليه ، والجمع أعراء . قال الأزهري : يقال : هو عرو من هذا الأمر ، كما يقال : هو خلو منه . والعرو : الخلو ، تقول : أنا عرو منه ، بالكسر ، أي خلو . قال ابن سيده : ورجل عرو من الأمر ، لا يهتم به ، قال : وأرى عروا من العري ، على قولهم جبيت جباوة وأشاوى في جمع أشياء ، فإن كان كذلك فبابه الياء ، والجمع أعراء ، وقول لبيد :


                                                          والنيب إن تعر مني رمة خلقا     بعد الممات فإني كنت أتئر

                                                          ويروى : تعر مني أي تطلب ; لأنها ربما قضمت العظام ، قال ابن بري : تعر مني من أعريته النخلة ، إذا أعطيته ثمرتها ، وتعر مني : تطلب ، من عروته ، ويروى : تعر مني ، بفتح الميم ، من عرمت العظم ، إذا عرقت ما عليه من اللحم . وفي الحديث : أنه أتي بفرس معرور ، قال ابن الأثير : أي لا سرج عليه ولا غيره . واعرورى فرسه : ركبه عريا ، فهو لازم ومتعد ، أو يكون أتي بفرس معرورى على المفعول . قال ابن سيده : واعرورى الفرس صار عريا . واعروراه : ركبه عريا ، ولا يستعمل إلا مزيدا ، وكذلك اعرورى البعير ، ومنه قوله :


                                                          واعرورت العلط العرضي تركضه     أم الفوارس بالدئداء والربعه

                                                          وهو افعوعل ، واستعاره تأبط شرا للمهلكة فقال :

                                                          يظل بموماة ويمسي بغيرها جحيشا ويعروري ظهور المهالك [ ص: 130 ] ويقال : نحن نعاري أي : نركب الخيل أعراء ، وذلك أخف في الحرب .

                                                          وفي حديث أنس : أن أهل المدينة فزعوا ليلا ، فركب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا لأبي طلحة عريا . واعرورى مني أمرا قبيحا : ركبه ، ولم يجئ في الكلام افعوعل مجاوزا غير اعروريت . واحلوليت المكان : إذا استحليته . ابن السكيت في قولهم أنا النذير العريان : هو رجل من خثعم ، حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر بن أبي عوف بن عويف بن مالك بن ذبيان بن ثعلبة بن عمرو بن يشكر ، فقطع يده ويد امرأته ، وكانت من بني عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة . وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أنذر قومه جيشا ، فقال : أنا النذير العريان ، أنذركم جيشا خص العريان لأنه أبين للعين وأغرب وأشنع عند المبصر ، وذلك أن ربيئة القوم وعينهم يكون على مكان عال ، فإذا رأى العدو وقد أقبل نزع ثوبه وألاح به لينذر قومه ويبقى عريانا . ويقال : فلان عريان النجي ، إذا كان يناجي امرأته ، ويشاورها ، ويصدر عن رأيها ، ومنه قوله :


                                                          أصاخ لعريان النجي وإنه     لأزور عن بعض المقالة جانبه

                                                          ، أي استمع إلى امرأته وأهانني .

                                                          وأعريت المكان : تركت حضوره ، قال ذو الرمة :


                                                          ومنهل أعرى جباه الحضر

                                                          ، والمعرى من الأسماء : ما لم يدخل عليه عامل كالمبتدإ . والمعرى من الشعر : ما سلم من الترفيل والإذالة والإسباغ . وعراه من الأمر : خلصه وجرده . ويقال : ما تعرى فلان من هذا الأمر ، أي ما تخلص . والمعاري : المواضع التي لا تنبت . وروى الأزهري عن ابن الأعرابي : العرا الفناء ، مقصور ، يكتب بالألف لأن أنثاه عروة ، قال : وقال غيره العرا الساحة والفناء ، سمي عرا لأنه عري من الأبنية والخيام . ويقال : نزل بعراه وعروته وعقوته ، أي نزل بساحته وفنائه ، وكذلك نزل بحراه ، وأما العراء ممدودا فهو ما اتسع من فضاء الأرض ، وقال ابن سيده : هو المكان الفضاء لا يستتر فيه شيء ، وقيل : هي الأرض الواسعة . وفي التنزيل : فنبذناه بالعراء وهو سقيم وجمعه أعراء ، قال ابن جني : كسروا فعالا على أفعال حتى كأنهم إنما كسروا فعلا ، ومثله جواد وأجواد ، وعياء وأعياء ، وأعرى : سار فيها ، وقال أبو عبيدة : إنما قيل له : عراء ; لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه ، وقيل : إن العراء وجه الأرض الخالي ، وأنشد :


                                                          ورفعت رجلا لا أخاف عثارها     ونبذت بالبلد العراء ثيابي

                                                          وقال الزجاج : العراء على وجهين : مقصور وممدود ، فالمقصور الناحية ، والممدود المكان الخالي . والعراء : ما استوى من ظهر الأرض وجهر . والعراء : الجهراء مؤنثة غير مصروفة . والعراء : مذكر مصروف ، وهما الأرض المستوية المصحرة وليس بها شجر ولا جبال ولا آكام ولا رمال ، وهما فضاء الأرض ، والجماعة : الأعراء . يقال : وطئنا عراء الأرض والأعرية . وقال ابن شميل : العرا مثل العقوة ، يقال : ما بعرانا أحد أي ما بعقوتنا أحد . وفي الحديث : فكره أن يعروا المدينة ، وفي رواية : أن تعرى أي تخلو وتصير عراء ، وهو الفضاء ، فتصير دورهم في العراء . والعراء : كل شيء أعري من سترته ، تقول : استره عن العراء . وأعراء الأرض : ما ظهر من متونها وظهورها ، واحدها عرى ، وأنشد :


                                                          وبلد عارية أعراؤه

                                                          والعرى : الحائط ، وقيل : كل ما ستر من شيء عرى . والعرو : الناحية ، والجمع أعراء . والعرى والعراة : الجناب والناحية والفناء والساحة . ونزل في عراه ، أي في ناحيته ، وقوله أنشده ابن جني :


                                                          أو مجز عنه عريت أعراؤه

                                                          فإنه يكون جمع عرى ، من قولك نزل بعراه ، ويجوز أن يكون جمع عراء ، وأن يكون جمع عري . واعرورى : سار في الأرض وحده . وأعراه النخلة : وهب له ثمرة عامها . والعرية : النخلة المعراة ، قال سويد بن الصامت الأنصاري :


                                                          ليست بسنهاء ولا رجبية     ولكن عرايا في السنين الجوائح

                                                          يقول : إنا نعريها الناس . والعرية أيضا : التي تعزل عن المساومة عند بيع النخل ، وقيل : العرية النخلة التي قد أكل ما عليها . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : خففوا في الخرص ، فإن في المال العرية والوصية وفي حديث آخر : أنه رخص في العرية والعرايا قال أبو عبيد : العرايا واحدتها عرية ، وهي النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء : أن يجعل له ثمرة عامها . وقال ابن الأعرابي : قال بعض العرب : منا من يعري قال : وهو أن يشتري الرجل النخل ثم يستثني نخلة أو نخلتين .

                                                          وقال الشافعي : العرايا ثلاثة أنواع ، واحدتها أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له : بعني من حائطك ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر ، فيبيعه إياها ، ويقبض التمر ، ويسلم إليه النخلات يأكلها ويبيعها ويتمرها ، ويفعل بها ما يشاء ، قال : وجماع العرايا كل ما أفرد ليؤكل خاصة ولم يكن في جملة المبيع من ثمر الحائط ، إذا بيعت جملتها من واحد . والصنف الثاني : أن يحضر رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر النخلة والنخلتين وأكثر عرية يأكلها ، وهذه في معنى المنحة ، قال : وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ، ويصنع به ما يصنع في ماله ; لأنه قد ملكه . والصنف الثالث من العرايا أن يعري الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ; ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ، ويفعل فيه ما أحب ، ويبيع ما بقي من ثمر حائطه منه ، فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة ، وقال غيره : العرايا أن يقول الغني للفقير : ثمر هذه النخلة أو النخلات لك ، وأصلها لي . وأما تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - : إنه رخص في العرايا فإن الترخيص فيها كان بعد نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة ، وهي بيع الثمر في رءوس النخل بالتمر ، ورخص من جملة المزابنة في العرايا فيما دون خمسة أوسق ، وذلك للرجل يفضل من قوت سنته التمر ، فيدرك الرطب ، ولا نقد بيده يشتري به الرطب ، ولا نخل له يأكل من رطبه ، فيجيء إلى صاحب الحائط فيقول له : [ ص: 131 ] بعني ثمر نخلة أو نخلتين أو ثلاث بخرصها من التمر ، فيعطيه التمر بثمر تلك النخلات ليصيب من رطبها مع الناس ، فرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة ما حرم من المزابنة فيما دون خمسة أوسق ، وهو أقل مما تجب فيه الزكاة ، فهذا معنى ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - في العرايا ; لأن بيع الرطب بالتمر محرم في الأصل ، فأخرج هذا المقدار من الجملة المحرمة لحاجة الناس إليه ، قال الأزهري : ويجوز أن تكون العرية مأخوذة من عري يعرى ، كأنها عريت من جملة التحريم ، أي حلت وخرجت منها ، فهي عرية ، فعيلة بمعنى فاعلة ، وهي بمنزلة المستثناة من الجملة . قال الأزهري : وأعرى فلان فلانا ثمر نخلة ، إذا أعطاه إياها يأكل رطبها ، وليس في هذا بيع ، وإنما هو فضل ومعروف .

                                                          وروى شمر ، عن صالح بن أحمد ، عن أبيه قال : العرايا أن يعري الرجل من نخله ذا قرابته أو جاره ما لا تجب فيه الصدقة ، أي يهبها له ، فأرخص للمعري في بيع ثمر نخلة في رأسها بخرصها من التمر ، قال : والعرية مستثناة من جملة ما نهي عن بيعه من المزابنة ، وقيل : يبيعها المعرى ممن أعراه إياها ، وقيل : له أن يبيعها من غيره .

                                                          وقال الأزهري : النخلة العرية التي إذا عرضت النخيل على بيع ثمرها عريت منها نخلة ، أي عزلتها من المساومة . والجمع العرايا ، والفعل منه : الإعراء ، وهو أن تجعل ثمرتها لمحتاج أو لغير محتاج عامها ذلك . قال الجوهري : عرية فعيلة بمعنى مفعولة ، وإنما أدخلت فيها الهاء لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء مثل النطيحة والأكيلة ، ولو جئت بها مع النخلة قلت : نخلة عري ، وقال : إن ترخيصه في بيع العرايا بعد نهيه عن المزابنة ، لأنه ربما تأذى بدخوله عليه فيحتاج إلى أن يشتريها منه بتمر ، فرخص له في ذلك .

                                                          واستعرى الناس في كل وجه ، وهو من العرية : أكلوا الرطب من ذلك ، أخذه من العرايا . قال أبو عدنان : قال الباهلي : العرية من النخل : الفاردة التي لا تمسك ، حملها يتناثر عنها ، وأنشدني لنفسه :


                                                          فلما بدت تكنى تضيع مودتي     وتخلط بي قوما لئاما جدودها
                                                          رددت على تكنى بقية وصلها     رميما فأمست وهي رث جديدها
                                                          كما اعتكرت للاقطين عرية     من النخل يوطى كل يوم جريدها

                                                          قال : اعتكارها ، كثرة حتها ، فلا يأتي أصلها دابة إلا وجد تحتها لقاطا من حملها ، ولا يأتي حوافيها إلا وجد فيها سقاطا من أي ما شاء . وفي الحديث : شكا رجل إلى جعفر بن محمد - رضي الله عنه - وجعا في بطنه ، فقال : كل على الريق سبع تمرات من نخل غير معرى ، قال ثعلب : المعرى المسمد ، وأصله المعرر من العرة ، وقد ذكر في موضعه في عرر . والعريان من الخيل : الفرس المقلص الطويل القوائم . قال ابن سيده : وبها أعراء من الناس أي جماعة ، واحدهم عرو . وقال أبو زيد : أتتنا أعراؤهم أي أفخاذهم . وقال الأصمعي : الأعراء الذين ينزلون بالقبائل من غيرهم ، واحدهم عري ، قال الجعدي :


                                                          وأمهلت أهل الدار حتى تظاهروا     علي وقال العري منهم فأهجرا

                                                          ، وعري إلى الشيء عروا : باعه ثم استوحش إليه . قال الأزهري : يقال : عريت إلى مال لي أشد العرواء ، إذا بعته ثم تبعته نفسك . وعري هواه إلى كذا أي حن إليه ، وقال أبو وجزة :


                                                          يعرى هواك إلى أسماء واحتظرت     بالنأي والبخل فيما كان قد سلفا

                                                          والعروة : الأسد ، وبه سمي الرجل عروة . والعريان : اسم رجل . وأبو عروة : رجل زعموا كان يصيح بالسبع فيموت ، ويزجر الذئب والسمع فيموت مكانه ، فيشق بطنه فيوجد قلبه قد زال عن موضعه وخرج من غشائه ، قال النابغة الجعدي :


                                                          وأزجر الكاشح العدو إذا اغ     تابك زجرا مني على أضم
                                                          زجر أبي عروة السباع إذا     أشفق أن يلتبسن بالغنم

                                                          وعروة : اسم . وعروى وعروان : موضعان ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          وما ضرب بيضاء يسقي دبوبها     دفاق فعروان الكراث فضيمها

                                                          ، وقال الأزهري : عروى اسم جبل ، وكذلك عروان ، قال ابن بري : وعروى اسم أكمة ، وقيل : موضع ، قال الجعدي :


                                                          كطاو بعروى ألجأته عشية     لها سبل فيه قطار وحاصب

                                                          ، وأنشد لآخر :


                                                          عرية ليس لها ناصر     وعروى التي هدم الثعلب

                                                          ، قال : وقال علي بن حمزة وعروى اسم أرض ، قال الشاعر :


                                                          يا ويح ناقتي التي كلفتها     عروى تصر وبارها وتنجم !

                                                          أي تحفر عن النجم ، وهو ما نجم من النبت . قال : وأنشده المهلبي في المقصور " كلفتها عرى " بتشديد الراء ، وهو غلط ، وإنما عرى واد . وعروى : هضبة . وابن عروان : جبل ، قال ابن هرمة :


                                                          حلمه وازن بنات شمام     وابن عروان مكفهر الجبين

                                                          والأعروان : نبت ، مثل به سيبويه ، وفسره السيرافي . وفي حديث عروة بن مسعود ، قال : والله ما كلمت مسعود بن عمرو منذ عشر سنين والليلة أكلمه ، فخرج فناداه ، فقال : من هذا ؟ قال : عروة ، فأقبل مسعود وهو يقول :


                                                          أطرقت عراهيه     أم طرقت بداهيه ؟

                                                          حكى ابن الأثير عن الخطابي قال : هذا حرف مشكل ، وقد كتبت فيه إلى الأزهري ، وكان من جوابه أنه لم يجده في كلام العرب ، والصواب عنده عتاهية ، وهي الغفلة والدهش أي أطرقت غفلة بلا [ ص: 132 ] روية أو دهشا ، قال الخطابي : وقد لاح لي في هذا شيء ، وهو أن تكون الكلمة مركبة من اسمين : ظاهر ومكني ، وأبدل فيهما حرفا ، وأصلها إما من العراء وهو وجه الأرض ، وإما من العرا - مقصور - وهو الناحية ، كأنه قال : أطرقت عرائي - أي فنائي - زائرا وضيفا أم أصابتك داهية فجئت مستغيثا ؟ فالهاء الأولى من عراهيه مبدلة من الهمزة ، والثانية هاء السكت ، زيدت لبيان الحركة ، وقال الزمخشري : يحتمل أن يكون بالزاي ، مصدر من عزه يعزه فهو عزه ، إذا لم يكن له أرب في الطرب ، فيكون معناه : أطرقت بلا أرب وحاجة أم أصابتك داهية أحوجتك إلى الاستغاثة ؟ وذكر ابن الأثير في ترجمة عرا حديث المخزومية التي تستعير المتاع وتجحده ، وليس هذا مكانه في ترتيبنا نحن ، فذكرناه في ترجمة عور .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية