الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      وهل يعتبر في الأمر العلو أو الاستعلاء ؟ فيه أربعة مذاهب :

                                                      [ ص: 263 ] أحدها : يعتبران ، وبه جزم ابن القشيري والقاضي عبد الوهاب في مختصره الصغير " . والثاني : وهو المختار لا يعتبران ونقله الإمام الرازي في أول المسألة الخامسة عن أصحابنا لكن احتج بقوله تعالى : حكاية عن فرعون { فماذا تأمرون } وهو مردود ; لأن المراد به المشورة . وأحسن منه الاحتجاج بقوله تعالى : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } وقطع به العبدري في المستوفى " محتجا بإجماع النحويين على ذلك الأمر والنهي ، وأنه لا رتبة بينهما . وذكروا أيضا الدعاء في حق الله تعالى ، وقسموه إلى ما يأتي بلفظ الأمر ، نحو ارحمنا ، وبلفظ النهي ، نحو لا تعذبنا . قال سيبويه : واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي ، وإنما قيل : له الدعاء ; لأنه استعظم أن يقال : أمر ونهي . انتهى . ولم يذكروا المقابل للدعاء اسما ; لأنهم لم يجدوه في كلام العرب ، وكان هذا أمرا طارئا على اللغة بعد استقرارها . قال : فالصواب : أن صيغة " افعل " ظاهر في اقتضاء الفعل سواء كان من أعلى أو مساو أو دون لكن يتميز بالقرينة فإن كان المخاطب مخلوقا كانت قرينة دالة على حمله على الدعاء بالاصطلاح العرفي الشرعي لا اللغوي . ويشهد لما قاله ، قول ابن فارس في كتابه فقه العربية " وهو من فرسان اللغة : الأمر عند العرب ، فإذا لم يفعله المأمور به سمي المأمور به عاصيا .

                                                      [ ص: 264 ] والثالث : يعتبر العلو بأن يكون الطالب أعلى رتبة من المطلوب منه ، فإن تساويا فالتماس أو كان دونه فسؤال ، وبه قالت المعتزلة ، واختاره القاضي أبو الطيب الطبري وعبد الوهاب في الملخص " ونقله عن أهل اللغة . ونقله ابن الفارض المعتزلي عن أبي بكر بن الأنباري واختاره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وأبو نصر بن الصباغ ، وحكاه عن أصحابنا ، وابن السمعاني ، وسليم الرازي وابن عقيل من الحنابلة ، وأبو بكر الرازي من الحنفية وأبو الفضل بن عبدان في كتابه شروط الأحكام " وشرط مع ذلك أن يكون الأمر ممن تجب طاعته ، وإلا فلا يقال له : أمر . والرابع : وبه قال أبو الحسين من المعتزلة يعتبر الاستعلاء لا العلو ، وهو أن يجعل نفسه عاليا ، وقد لا يكون في نفس الأمر كذلك ، وصححه الإمام والآمدي وابن الحاجب وابن برهان في الأوسط " .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية