الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 435 ] فصل فيما يقسم وما لا يقسم قال ( وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم ) لأن القسمة حق لازم فيما يحتملها عند طلب أحدهم على ما بيناه من قبل ( وإن كان ينتفع أحدهم ويستضر به الآخر لقلة نصيبه ، فإن طلب صاحب الكثير قسم ، وإن طلب صاحب القليل لم يقسم ) لأن الأول ينتفع به فيعتبر طلبه ، والثاني متعنت في طلبه فلم يعتبر وذكر الجصاص على قلب هذا لأن صاحب الكثير يريد الإضرار بغيره والآخر يرضى بضرر نفسه وذكر الحاكم الشهيد في مختصره أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي ، والوجه اندرج فيما ذكرناه والأصح المذكور في الكتاب وهو الأول ( وإن كان كل واحد منهما يستضر لصغره [ ص: 436 ] لم يقسمها إلا بتراضيهما ) لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة ، وفي هذا تفويتها ، وتجوز بتراضيهما لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما .

أما القاضي فيعتمد الظاهر قال ( ويقسم العروض إذا كانت من صنف واحد ) لأن عند اتحاد الجنس يتحد المقصود فيحصل التعديل في القسمة والتكميل في المنفعة ( ولا يقسم الجنسين بعضهما في بعض ) لأنه لا اختلاط بين الجنسين فلا تقع القسمة تمييزا بل تقع معاوضة ، وسبيلها التراضي دون جبر القاضي ( ويقسم كل مكيل وموزون كثير أو قليل والمعدود المتقارب وتبر الذهب والفضة والحديد والنحاس والإبل بانفرادها والبقر والغنم ولا يقسم شاة وبعيرا وبرذونا وحمارا ولا يقسم الأواني ) لأنها باختلاف الصنعة التحقت بالأجناس المختلفة ( ويقسم الثياب الهروية ) لاتحاد الصنف ( ولا يقسم ثوبا واحدا ) لاشتمال القسمة على الضرر إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع ( ولا ثوبين إذا اختلفت قيمتهما ) لما بينا ، بخلاف ثلاثة أثواب إذا جعل ثوب بثوبين أو ثوب وربع ثوب بثوب وثلاثة أرباع ثوب لأنه قسمة البعض دون البعض وذلك جائز .

( وقال أبو حنيفة لا يقسم الرقيق والجواهر ) لتفاوتهما ( وقالا : يقسم الرقيق ) لاتحاد الجنس كما في الإبل والغنم ورقيق المغنم وله أن التفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة فصار كالجنس المختلف بخلاف الحيوانات لأن التفاوت فيها يقل عند اتحاد الجنس ; ألا ترى أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان ومن الحيوانات جنس [ ص: 437 ] واحد ، بخلاف المغانم لأن حق الغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها وقسمة ثمنها وهنا يتعلق بالعين والمالية جميعا فافترقا وأما الجواهر فقد قيل إذا اختلف الجنس لا يقسم كاللآلئ واليواقيت وقيل لا يقسم الكبار منها لكثرة التفاوت ، ويقسم الصغار لقلة التفاوت .

وقيل يجري الجواب على إطلاقه لأن جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرقيق ; ألا ترى أنه لو تزوج على لؤلؤة أو ياقوتة أو خالع عليها لا تصح التسمية ، ويصح ذلك على عبد فأولى أن لا يجبر على القسمة .

[ ص: 435 ]

التالي السابق


[ ص: 435 ] فصل فيما يقسم وما لا يقسم )

لما تنوعت مسائل القسمة إلى ما يقسم وما لا يقسم شرع في بيانهما في فصل على حدة

( قوله والأصح المذكور في الكتاب وهو الأول ) لأن رضا صاحب القليل بالتزام الضرر لا يلزم القاضي شيئا ، وإنما الملزم طلب الإنصاف من القاضي وإيصاله إلى منفعة ملكه ، وذلك لا يوجد عند طلبه القليل ، كذا في العناية ومعراج الدراية ، وهو المذكور في الذخيرة ، وزاد عليه في النهاية والكفاية أن يقال : ألا ترى أن كل واحد منهما إذا كان لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وطلبا جميعا القسمة لم يقسمها القاضي بينهما ، فكذلك إذا كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة انتهى أقول : هذه الزيادة تخالف ما سيأتي في الكتاب بقوله وإن كان كل واحد منهما يستضر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما ، فإنه يدل على أن القاضي يقسمها عند تراضي الشريكين وطلبهما القسمة ، وقد صرح به المصنف هناك حيث قال : ويجوز بتراضيهما لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما ، أما القاضي يعتمد الظاهر انتهى ثم إنك لو تأملت حق التأمل وجدت نوعا من التدافع بين أصل ما ذكروا في وجه أصحية [ ص: 436 ] المذكور في الكتاب أولا وبين ذاك التعليل الذي ذكره المصنف بقوله لأن الحق لهما إلى قوله أما القاضي يعتمد الظاهر فتأمل




الخدمات العلمية