الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 20 ] باب ما يقع وما لا يقع على امرأته من الطلاق ومن إباحة الطلاق ومما سمعت منه لفظا

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : " ولو قال لها أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة فوقعت عليها تطليقة ثم نكحها بعد انقضاء العدة فجاءت سنة وهي تحته لم يقع بها طلاق لأنها قد خلت منه وصارت في حال لو أوقع عليها الطلاق لم يقع وإنما صارت عنده بنكاح جديد فلا يقع فيه طلاق نكاح غيره ( قال المزني ) رحمه الله هذا أشبه بأصله من قوله تطلق كلما جاءت سنة وهي تحته طلقت حتى ينقضي طلاق ذلك الملك ( قال المزني ) رحمه الله ولا يخلو قوله أنت طالق في كل سنة من أحد ثلاثة معان إما أن يريد في هذا النكاح الذي عقدت فيه الطلاق فقد بطل وحدث غيره فكيف يلزمه وإما أن يريد في غير ملكي فهذا لا يذهب إليه أحد يعقل وليس بشيء وإما أن يريد في نكاح يحدث فقوله لا طلاق قبل النكاح فهذا طلاق قبل النكاح . فتفهم يرحمك الله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الطلاق يقع معجلا ومؤجلا وعلى صفة فإذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة ، فقد قرن ما ملكه من الطلاق الثلاث في ثلاث سنين جعلها أجلا لوقوع الطلاق فيها فيكون ابتداء الأجل من وقته إذا لم يكن له نية تخالف مطلق لفظه ، لأن الآجال إذا أطلقت تعين ابتداؤها من وقت إطلاقها كآجال الأثمان والأيمان . وإذا كان كذلك فأول السنة الأولى من وقت عقده للطلاق فإذا مضى منها بعد عقده جزء وإن قل طلقت واحدة لوجود الصفة بدخول السنة ، كقوله : إذا دخلت الدار فأنت طالق ، فإذا دخلت أول جزء الدار طلقت ، ولا يقع عليها في السنة الأولى إلا طلقة واحدة .

                                                                                                                                            وقال مالك : تطلق ثلاثا في وقته ، لأن عنده أن الطلاق يقع في وقته معجلا ولا يتأجل والكلام معه يأتي .

                                                                                                                                            وعندنا أنها لا تطلق في المؤجل قبل حلول الأجل وتطلق بعد أول جزء من السنة الأولى طلقة واحدة ، وبعد أول جزء من السنة الثانية طلقة ثانية لدخول الأجل الثاني الذي [ ص: 21 ] قد صار صفة للطلقة الثانية ، وتطلق بعد أول جزء من السنة الثالثة طلقة ثالثة لدخول الأجل الثالث الذي قد صار صفة للطلقة الثالثة وإذا كان كذلك فلا يخلو حالها بعد وقوع الطلقة الأولى عليها بعد أول جزء من السنة الأولى عند دخول السنة الثانية والسنة الثالثة من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون زوجة بعقد نكاحه هذا .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون بائنا منه .

                                                                                                                                            والثالث : أن تكون بعقد نكاح جديد .

                                                                                                                                            فإن دخلت السنة الثانية والسنة الثالثة وهي زوجة بعقد نكاحه هذا ، وذلك قد يكون من أحد وجهين : إما أن يراجعها بعد الطلقة الأولى فتطلق بعد أول جزء من السنة الثانية طلقة ثانية ثم يراجعها فتطلق بعد أول جزء من السنة الثالثة طلقة ثالثة فيقع عليها الطلاق الثلاث في السنين الثلاث ، لأن الرجعة ترفع حال العقد وترفع تحريم الطلاق فيصير عقد الطلاق ووجود الصفة في نكاح واحد فلذلك وقع فهذا وجه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ألا يراجعها بعد الطلقة الأولى ، ولكن تطول بها العدة حتى تدخل السنة الثانية فتطلق بأول جزء منها الطلقة الثانية ، لأن المعتدة من الطلاق الرجعي زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء لأنهما يتوارثان فيهما بالزوجية وإن حرم استمتاعه بها كما يحرم في الإحرام وبالظهار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية