الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 30 ] باب مخاطبة المرأة بما يلزمها من الخلع وما لا يلزمها من النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك وابن القاسم

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : " ولو قالت له امرأته إن طلقتني ثلاثا فلك علي مائة درهم فهو كقول الرجل بعني ثوبك هذا بمائة درهم فإن طلقها ثلاثا فله المائة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الخلع عقد معاوضة يجري مجرى المبيع ، لأن الزوج يملك به البدل وتملك الزوجة به البضع ، فيحل الزوج فيه محل البائع ، وتحل الزوجة فيه محل المشتري ، فربما اجتمع الخلع والبيع في صفة العقد وربما اختلفا كما يختلفان في أحكام العقد فيدخل في البيع خيار العقد والشرط ، ولا يدخل بواحد من الخيارين في الخلع .

                                                                                                                                            فإذا قالت المرأة لزوجها طلقني ثلاثا بألف فقال : أنت طالق ثلاثا فالطلاق واقع وله الألف ، لأنها طلبت منه أن تملك بضعها بالألف فأجابها إلى أن ملكها بضع نفسها بالألف فتم ذاك بطلبها وإيجاب الزوج إذا كان عقيب الطلب وجرى ذلك مجرى البيع وعلى صفته وهو أن يقول : بعني عبدك هذا بألف ، فيقول المالك : قد بعتك عبدي هذا بألف ، فيتم البيع ولا يحتاج المشتري أن يقول قد قبلت لأن ما تقدم من المشتري طلب وما حاز به المالك إيجاب فتم البيع بالطلب والإيجاب كما يتم البدل والقبول .

                                                                                                                                            ولو كانت الزوجة حين قالت : طلقني ثلاثا بألف قال لها الزوج : قد طلقتك ثلاثا ولم يقل بألف ، طلقت ثلاثا ، وله الألف لأنه إيجاب منه في مقابلة طلبها فتناول الإيجاب ما تضمنه الطلب .

                                                                                                                                            ومثله في البيع جائز وهو أن يقول : بعني عبدك هذا بألف فيقول قد بعتك ولا يقول بألف فيكون بائعا له بالألف ، لأنه إيجاب في مقابلة طلب تضمن الألف ، فاستغنى عن أن يصرح في إيجابه بالألف .

                                                                                                                                            ولو قال الولي في النكاح : قد زوجتك بنتي على صداق ألف ، فقال الزوج قبلت نكاحها ، ولم يقل بالألف صح النكاح ولم يلزمه الألف في أظهر الوجهين . [ ص: 31 ] والفرق بين هذا وبين البيع أن البيع لا يتم إلا بالثمن فإذا أطلق الإيجاب بالبيع ولم يذكر فيه الثمن عاد إلى البيع والثمن لأنهما لا يفترقان ، وليس كذلك النكاح ، لأنه يصح بغير صداق ، فإذا صرح بقبول النكاح ولم يصرح بقبول الصداق ، لزمه النكاح دون الصداق لأنهما قد يفترقان ، فإن قيل : فهذا التعليل في الفرق يقتضي ألا يجب له في الخلع الألف حتى يقول قد طلقتك ثلاثا بألف ، لأنه يصح الطلاق بغير الألف .

                                                                                                                                            قيل : ما قدمناه من تعليل الفرق لا يقتضي هذا في الخلع وإن اقتضاه في النكاح .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن القبول في النكاح في مقابلة التزامه العقد والصداق فإن صرح بهما ، وإلا انصرف إلى المقصود منهما ، وهو النكاح وليس في الخلع إلا التزام واحد وهو العوض فتوجه إطلاق الإجابة إليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية