الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا محمد بن الوزير ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : قال أبو عبيدة : قال الحسن : رحم الله امرأ عرف ثم صبر ، ثم أبصر فبصر ؛ فإن أقواما عرفوا فانتزع الجزع أبصارهم ، فلا هم أدركوا ما طلبوا ، ولا هم رجعوا إلى ما تركوا ، اتقوا هذه الأهواء المضلة البعيدة من الله التي جماعها الضلالة وميعادها النار ، لهم محنة ، من أصابها أضلته ، ومن أصابته قتلته . يا ابن آدم دينك دينك ، فإنه لحمك ودمك ، إن يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك ، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله فإنها نار لا تطفى ، وجرح لا يبرأ ، وعذاب لا ينفد أبدا ، ونفس لا تموت . يا ابن آدم إنك موقوف بين يدي ربك ومرتهن بعملك ، فخذ مما في يديك لما [ ص: 146 ] بين يديك . عند الموت يأتيك الخبر ، إنك مسئول ولا تجد جوابا ، إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة من همه .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، قال : ثنا صفوان بن عيسى ، قال : ثنا هشام . قال : سمعت الحسن ، يقول : والله لقد أدركت أقواما ما طوي لأحدهم في بيته ثوب قط ، ولا أمر في أهله بصنعة طعام قط ، وما جعل بينه وبين الأرض شيئا قط ، وإن كان أحدهم ليقول : لوددت أني أكلت أكلة في جوفي مثل الآجرة ، قال : ويقول بلغنا أن الآجرة تبقى في الماء ثلاثمائة سنة . ولقد أدركت أقواما إن كان أحدهم ليرث المال العظيم قال : وإنه والله لمجهود شديد الجهد ، قال : فيقول لأخيه : يا أخي إني قد علمت أن ذا ميراث وهو حلال ، ولكني أخاف أن يفسد علي قلبي وعملي فهو لك لا حاجة لي فيه ، قال : فلا يرزأ منه شيئا أبدا وإنه مجهود شديد الجهد .

              حدثنا أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا محمد بن الوزير ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : قال أبو عبيدة : قال الحسن : يا ابن آدم سرطا سرطا ، جمعا جمعا في وعاء ، وشدا شدا في وكاء ، ركوب الذلول ولبوس اللين ، ثم قيل : مات فأفضى والله إلى الآخرة ، إن المؤمن عمل لله تعالى أياما يسيرة ، فوالله ما ندم أن يكون أصاب من نعيمها ورخائها ، ولكن راقت الدنيا له فاستهانها وهضمها لآخرته ، وتزود منها فلم تكن الدنيا في نفسه بدار ، ولم يرغب في نعيمها ، ولم يفرح برخائها ، ولم يتعاظم في نفسه شيء من البلاء ، إن نزل به مع احتسابه للأجر عند الله ، ولم يحتسب نوال الدنيا حتى مضى راغبا راهبا فهنيئا هنيئا ، فأمن الله بذلك روعته ، وستر عورته ، ويسر حسابه ، وكان الأكياس من المسلمين يقولون : إنما هو الغدو والرواح وحظ من الدلجة والاستقامة ، لا يلبثك يا ابن آدم أن على الخير ، حتى إن العبد إذا رزقه الله تعالى الجنة فقد أفلح ، وإن الله تعالى لا يخدع عن جنته ولا [ ص: 147 ] يعطي بالأماني ، وقد اشتد الشح وظهرت الأماني وتمنى المتمني في غروره .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا أسامة ، عن سفيان ، عن عمران القصير ، قال : سألت الحسن عن شيء فقلت : إن الفقهاء يقولون كذا وكذا فقال : وهل رأيت فقيها بعينك ؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، البصير بدينه ، المداوم على عبادة ربه عز وجل .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا معمر ، عن سفيان بن عيينة ، عن أيوب ، قال : لو رأيت الحسن لقلت إنك لم تجالس فقيها قط .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية