الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 50 ] باب جامع الأيمان

قوله ( يرجع في الأيمان إلى النية ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به أكثرهم . وقال القاضي : يقدم عموم لفظه على النية احتياطا .

تنبيه : قوله " يرجع في الأيمان إلى النية " مقيد بأن يكون الحالف بها غير ظالم . نص عليه . على ما تقدم ، وأن يحتملها لفظه مطلقا . على الصحيح من المذهب . قدمه في الرعايتين . وجزم به أبو محمد الجوزي . وصححه في تصحيح المحرر . وقال في المحرر ، وجماعة : ويقبل منه في الحكم إذا قرب الاحتمال ، وإن قوي بعده منه : لم يقبل . وإن توسط : فروايتان . وأطلقهما في الفروع . وتقدم ذلك في أول " باب التأويل في الحلف " . وتقدم تصوير بعض مسائل من ذلك ، وذكر الخروج من مضايق الأيمان مستوفى في " باب التأويل في الحلف " في أوله وآخره فليراجع . قوله ( فإن لم يكن له نية : رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ) وهذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به الخرقي ، والوجيز ، وتذكرة ابن عبدوس ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، وغيره . قال في الفروع : وقدم السبب على النية الخرقي ، والإرشاد ، والمبهج .

[ ص: 51 ] وحكى رواية . وقدمه القاضي بموافقته للوضع . وعنه : يقدم عموم لفظه على سبب اليمين احتياطا . وذكر القاضي : وعلى النية أيضا . انتهى . وقال الزركشي : اعتمد عامة الأصحاب تقديم النية على السبب . وعكس ذلك الشيرازي . فقدم السبب على النية . انتهى . قلت : وقطع به في الإرشاد . وقول صاحب الفروع " وقدم الخرقي السبب على النية " غير مسلم . وقال الزركشي أيضا لما تكلم على كلام الخرقي : إذا لم ينو شيئا لا ظاهر اللفظ ، ولا غير ظاهره رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ، أي أثارها . فإذا حلف " لا يأوي مع امرأته في هذه الدار " وكان سبب يمينه غيظا من جهة الدار لضرر لحقه من جيرانها ، أو منة حصلت عليه بها ونحو ذلك : اختصت يمينه بها كما هو مقتضى اللفظ . وإن كان لغيظ من المرأة يقتضي جفاءها ، ولا أثر للدار فيه : تعدى ذلك إلى كل دار للمحلوف عليها بالنص وما عداها بعلة الجفاء التي اقتضاها السبب . وكذلك إذا حلف ( لا يدخل بلدا ) لظلم رآه فيه ، و ( لا يكلم زيدا ) لشربه الخمر . فزال الظلم ، وترك زيد شرب الخمر : جاز له الدخول والكلام ، لزوال العلة المقتضية لليمين .

وكلام الخرقي يشمل ما إذا كان اللفظ خاصا ، والسبب يقتضي التعميم ، كما مثلناه أولا ، أو كان اللفظ عاما والسبب يقتضي التخصيص ، كما مثلناه ثانيا . ولا نزاع بين الأصحاب فيما علمت في الرجوع إلى السبب المقتضي للتعميم واختلف في عكسه . فقيل : فيه وجهان . [ ص: 52 ] وقيل : روايتان . وبالجملة : فيه قولان ، أو ثلاثة . أحدها : وهو المعروف عن القاضي في التعليق وفي غيره ، واختيار عامة أصحابه : الشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما : يؤخذ بعموم اللفظ . وهو مقتضى نص الإمام أحمد رحمه الله وذكره . والقول الثاني وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختيار أبي محمد ، وحكي عن القاضي في موضع : يحمل اللفظ العام على السبب . ويكون ذلك السبب مبنيا على أن العام أريد به خاص . والقول الثالث : لا يقتضي التخصيص فيما إذا حلف " لا يدخل البلد " لظلم رآه فيه . ويقتضي التخصيص فيما إذا دعي إلى غداء ، فحلف " لا يتغدى " أو حلف " لا يخرج عبده ولا زوجته إلا بإذنه " والحال يقتضي ما داما كذلك . وقد أشار القاضي إلى هذا التعليق . انتهى كلام الزركشي . وقال في القاعدة الرابعة والعشرين بعد المائة وتبعه في القواعد الأصولية : هل يخص اللفظ العام بسببه الخاص ، إذا كان السبب هو المقتضي له ، أم يقضى بعموم اللفظ ؟ فيه وجهان . أحدهما : العبرة بعموم اللفظ . اختاره القاضي في الخلاف ، والآمدي ، وأبو الفتح الحلواني ، وأبو الخطاب ، وغيرهم . وأخذوه من نص الإمام أحمد رحمه الله في رواية علي بن سعيد ، فيمن حلف لا يصطاد من نهر ، لظلم رآه فيه . ثم زال الظلم . قال الإمام أحمد رحمه الله : النذر يوفي به . والوجه الثاني : العبرة بخصوص السبب ، لا بعموم اللفظ .

[ ص: 53 ] وهو الصحيح عند صاحب المغني ، والبلغة ، والمحرر . لكن المجد استثنى صورة النهر وما أشبهها ، كمن حلف " لا يدخل بلدا " لظلم رآه فيه . ثم زال الظلم . فجعل العبرة في ذلك بعموم اللفظ . وعدى المصنف الخلاف إليها . ورجحه ابن عقيل في عمد الأدلة ، وقال : هو قياس المذهب . وجزم به القاضي في موضع من المجرد . واختاره الشيح تقي الدين رحمه الله . وفرق بينه وبين مسألة النهر المنصوصة ، وذكره . قال في القواعد : وهذا أحسن . وقد يكون لحظ هذا جده

التالي السابق


الخدمات العلمية