الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5499 ( 5 ) في أذى قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وما لقي منهم

                                                                                ( 1 ) حدثنا أبو بكر قال : حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال : اجتمعت قريش يوما فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ، فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا : أنت يا أبا الوليد ، فأتاه عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبتها ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك ، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا ، وأن في قريش كاهنا ، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقول بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل ، إن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش ونزوجك عشرا ، وإن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا واحدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفرغت ؟ قال : نعم ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم حتى بلغ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فقال عتبة : حسبك حسبك ما عندك غير هذا ؟ قال : لا ، فرجع إلى قريش فقالوا : ما وراءك ؟ قال : ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا وقد كلمته به ، [ ص: 441 ] فقالوا : فهل أجابك ؟ قال : نعم ، قال : لا والذي نصبها بينة ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا : ويلك يكلمك رجل بالعربية لا تدري ما قال ، قال : لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة .

                                                                                ( 2 ) حدثنا علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عمرو بن العاص قال : ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوما ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطا ، وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول ، فأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه وهو يقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ، فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة ، فقال : يا معشر قريش ، أما والذي نفس محمد بيده ، ما أرسلت إليكم إلا بالذبح ، وأشار بيده إلى حلقه ، قال : فقال له أبو جهل : يا محمد ، ما كنت جهولا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت منهم .

                                                                                ( 3 ) حدثنا أبو خالد الأحمر عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال : مر أبو جهل فقال : ألم أنهك فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو جهل : لم تنتهرني يا محمد والله لقد علمت ما بها رجل أكبر ناديا مني ، قال فقال جبريل : فليدع ناديه قال فقال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب .

                                                                                ( 4 ) حدثنا جعفر بن عون قال أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل الكعبة قال : فقال أبو جهل وناس من قريش ، قال : ونحرت جزور في ناحية مكة قال : فأرسلوا فجاءوا من سلاها فطرحوه عليه ، قال : فجاءت فاطمة حتى ألقته عنه ، قال : فكان يستحب ثلاثا يقول : اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش : بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط ، قال : قال عبد الله : فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر ، قال أبو إسحاق : ونسيت السابع .

                                                                                [ ص: 442 ] حدثنا أبو أسامة قال حدثنا الأعمش قال حدثنا عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما أن مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل ، قال : فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث إليه أو قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب مجلس رجل ، قال : فخشي أبو جهل إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، قال أبو طالب : أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول وتفعل وتفعل ، قال : فأكثروا عليه من اللحو ، قال : فتكلم النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا عم ، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم به العجم الجزية ، قال : ففزعوا لكلمته ولقوله ، قال : فقال القوم : كلمة واحدة ، نعم وأبيك وعشرا ، قال : وما هي ؟ قال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : لا إله إلا الله قال : فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب قال : وقرأ من هذا الموضع إلى قوله : لما يذوقوا عذاب .

                                                                                ( 6 ) حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا يزيد بن زياد قال حدثنا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز وأنا في بياعة أبيعها ، قال : فمر وعليه جبة له حمراء وهو ينادي بأعلى صوته : أيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، ورجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه ، وهو يقول يا أيها الناس ، لا تطيعوه فإنه كذاب ، قال : قلت : من هذا ؟ قالوا : هذا غلام بني عبد المطلب ، قلت : فمن هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة ؟ قالوا : عمه عبد العزى وهو أبو لهب .

                                                                                ( 7 ) حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثالثة من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما واراه إبط بلال .

                                                                                [ ص: 443 ] حدثنا عبد الله بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم قال : كان أبو جهل وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون فيقولون : إنه يحرم الخمر ويحرم الزنا ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم ، فنزلت هذه الآية وليحملن أثقالهم .

                                                                                ( 9 ) حدثنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شج في وجهه وكسرت رباعيته ورمي رمية على كتفه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : كيف تفلح أمة فعلت هذا بنبيها وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

                                                                                ( 10 ) حدثنا أبو أسامة حدثنا مجالد عن عامر قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبيا كما تزعم فباعد جبلي مكة أخشبيها هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة ، فإنها ضيقة حتى نزرع فيها ونرعى ، وابعث لنا آباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي ، واحملنا إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى الحيرة حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت أنك فعلته ، فأنزل الله ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية