الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أنكر عليهم اتباع الهوى ؛ أرشدهم إلى دوائه بأعظم أخلاق النفس وأجل أعمال البدن ، فقال عاطفا على ما مضى من الأوامر . وقال الحرالي : فكأنهم إنما حملهم على مخالفة حكم العقل ما تعودت به أنفسهم من الرياسة والتقدم فلما في ذلك عليهم من المشقة أن يصيروا أتباعا [ ص: 339 ] للعرب بعدما كانوا يرون أن جميع الأرض تبع لهم نسق بخطابهم في ذلك الأمر بالاستعانة بالصبر الذي يكره أنفسهم على أن تصير تابعة بعد أن كانت متبوعة فقال تعالى . انتهى . واستعينوا أي على إظهار الحق والانقياد له وهو معنى ما مضى من الأوامر والنواهي بالصبر أي على مخالفة الهوى ، والصبر حبس النفس عن حاجتها وعادتها وعلى إصلاحها وتزكيتها ، هو ضياء للقلوب تبصر به ما يخفيه عنها الجزع من الخروج عن العادة فيما تنزع إليه الأنفس - قاله الحرالي . وهو عام في كل صبر : الصوم ، وغيره ، والصلاة أي الموصلة إلى المقام الأعلى ، [ ص: 340 ] وفيه التفات إلى وإياك نستعين وإشارة إلى أن من لم تنهه صلاته عن ركوب الباطل والتمادي فيه وتأمره بلزوم الحق والرجوع إليه فليس بمصل ، فكأن المراد بالصبر تخليص النفس من أشراك الهوى وقسرها على الإخلاص ، فمن صلى على هذه الصفة كان لا محالة من الناجين ؛ وثنى بالصلاة لأنها استرزاق يغنيهم عن اشتراء ثمن كانوا يأخذونه من أتباعهم في اللبس والكتمان وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك قال الحرالي . ويصح أن يراد بها الدعاء ، فمن صبر عن الدنايا وعلى المكاره وأنهى صبره إلى الصوم فأزال عنه كدورات [ ص: 341 ] حب الدنيا وأضاف إلى ذلك الصلاة ؛ استنار قلبه بأنواع المعارف ، فإذا ضم إلى ذلك الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى بلغ نهاية البر .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أمر ونهى بما ختمه بالصلاة ؛ حث على التفاؤل لعظمته [ سبحانه ] [ بتخصيصها بالضمير ] فقال : وإنها لكبيرة أي ثقيلة جدا ، والكبير ما جل قدره أو مقداره في حس ظاهر أو في معنى باطن ، قاله الحرالي . إلا على الخاشعين أي المخبتين الذين هم في غاية السهولة واللين والتواضع لربهم بحيث لا يكون عندهم شيء من كبر وينظرون عواقب الأمر وما [ ص: 342 ] أعد عليها من الأجر ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " . وغيرهم يمنعهم ثقلها من فعلها ، وإن فعلها فعلى غير رغبة . قال الحرالي : وهو أي الخشوع هدو الجوارح والخواطر فيما هو الأهم في الوقت ، وأنبأ تعالى بكبر قدر الصلاة عن أن يتناول عملها إلا خاشع خرج عن حظ نفسه وألزم نفسه ذل العبودية التي ختمت بها النبوة ، وفي إشارة كمال الصلاة إشعار بصلاة العصر التي هي صلاة النبي الخاتم الذي زمنه وقت العصر وحالة العبودية ، وذلك مما يكبر على من قرن بنبوته وبملته الملك إلا أن يخشع لما يكبر على النفس ، وخصت الصلاة بالكبر دون الصبر لأن الصبر صغار للنفس والصلاة وجهة للحق والله هو العلي الكبير . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية