الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      ( فصل ) وأما إن اقترن بالدعوى ما يضعفها ، فلما اقترن بها من الضعف ستة أحوال تنافي أحوال القوة ، فينتقل الإرهاب بها من جنبة المدعى عليه إلى جنبة المدعي .

                                      فالحالة الأولى : أن يقابل الدعوى بكتاب شهوده حضور معدلون يشهدون بما يوجب بطلان الدعوى وذلك من أربعة أوجه :

                                      أحدها : أن يشهدوا عليه ببيع ما ادعاه .

                                      والثاني : أن يشهدوا على إقراره بأن لا حق له فيما ادعاه .

                                      والثالث أن يشهدوا على إقرار أبيه الذي ذكر انتقال الملك عنه أنه لا حق له فيما ادعاه .

                                      والرابع : أن يشهدوا للمدعى عليه بأنه مالك لما ادعاه عليه فبطل دعواه بهذه الشهادة ويقتضي نظر تأديبه بحسب حاله ، فإن ذكر أن الشهادة بالابتياع كانت على سبيل رهب وإلجاء ، وهذا قد يفعله الناس أحيانا فينظر في كتاب الابتياع ، فإن ذكر فيه أنه من غير رهب ولا إلجاء ضعفت شبهة هذه الدعوى ، وإن لم يذكر ذلك فيه قويت شبهة الدعوى ، وكان الإرهاب في الجهتين بمقتضى شواهد الحالين ورجع إلى الكشف بالمجاورين والخلطاء ، فإن بان [ ص: 111 ] ما يوجب العدول عن ظاهر الكتاب عمل عليه ، وإن لم يبن كان إمضاء الحكم بما شهد به شهود الابتياع أحق فإن سأل إحلاف المدعى عليه بأن ابتياعه كان حقا ولم يكن على سبيل الرهب والإلجاء ، فقد اختلف الفقهاء في جواز إحلافه لاختلاف ما ادعاه ; فذهب أبو حنيفة رضي الله عنه وطائفة من أصحاب الشافعي إلى جواز إحلافه لاحتمال ما ادعاه وإمكانه ، وامتنع آخرون من أصحاب الشافعي من إحلافه ، لأن متقدم إقراره مكذب لمتأخر دعواه .

                                      ولوالي المظالم أن يعمل من القوانين بما تقتضيه شواهد الحالين ، وهكذا لو كانت الدعوى دينا في الذمة فأظهر المدعى عليه كتاب براءة منه فذكر المدعي أنه أشهد على نفسه قبل أن يقبض ولم يقبض كان إحلاف المدعى عليه على ما تقدم ذكره .

                                      والحالة الثانية : أن يكون شهود الكتاب المقابل للدعوى عدولا غائبين ، فهذا على ضربين : أحدهما أن يتضمن إنكاره اعترافا بالسبب كقوله لا حق له في هذه الضيعة لأنني ابتعتها منه ودفعت ثمنها إليه وهذا كتاب عهدي بالإشهاد عليه فيصير المدعي مدعيا بكتاب قد غاب شهوده فيكون على ما مضى وله زيادة يد وتصرف فتكون الأمارة أقوى وشاهد الحال أظهر ، فإن لم يثبت بها الملك فيرهبهما بحسب ما تقتضيه شواهد أحوالهما ويأمر بإحضار الشهود إن أمكن ويضرب لحضورهم أجلا يردهما فيه إلى الوساطة ، فإن أفضت إلى صلح عن تراض استقر به الحكم وعدل عن استماع الشهادة إذا حضرت وإن لم ينبرم ما بينهما صلحا أمعن في الكشف عن جيرانهما وجيران الملك وكان لوالي المظالم رأيه في زمان الكشف في خصلة من ثلاث : منها ما يؤديه اجتهاده إليه بحسب الأمارات وشواهد الأحوال . إما أن يرى انتزاع الضيعة من يد المدعى عليه وتسليمها إلى المدعي إلى أن تقوم عليه بينة بالبيع ، وإما أن يسلمها إلى أمين تكون في يده ويحفظ استغلالها على مستحقه ، وإما أن يقرها في يد المدعى عليه ويحجر عليه فيها وينصب أمينا يحفظ استغلالها ويكون حالهما على ما يراه والي المظالم في خصلة من هذه الثلاث ما كان راجيا أحد أمرين : من ظهور الحق بالكشف ، أو حضور الشهود [ ص: 112 ] للأداء ، فإن وقع الإياس منهم بت الحكم بينهما ، فلو سأل المدعى عليه إحلاف المدعي أحلفه له وكان ذلك بتا للحكم بينهما .

                                      والضرب الثاني أن لا يتضمن إنكاره اعترافا بالسبب ويقول هذه الضيعة لي لا حق لهذا المدعي فيها وتكون شهادة الكتاب على المدعي على أحد وجهين : إما على إقراره بأن لا حق له فيها ، وإما على إقراره بأنها ملك المدعى عليه فالضيعة مقرة في يد المدعى عليه لا يجوز انتزاعها منه ، فأما الحجر عليه فيها وحفظ استغلالها مدة الكشف والوساطة فمعتبر بشواهد أحوالهما واجتهاد والي المظالم فيما يراه بينهما إلى أن يثبت الحكم بينهما .

                                      وأما الحالة الثالثة : أن شهود الكتاب المقابل لهذه الدعوى حضور غير معدلين فيراعي والي المظالم فيهم ما قدمنا في جنبة المدعي من أحوالهم الثلاث ، ويراعى حال إنكاره هل يتضمن اعترافا بالسبب أم لا ، فيعمل والي المظالم في ذلك بما قدمناه تعويلا على اجتهاده برأيه في شواهد الأحوال .

                                      والحالة الرابعة : أن يكون شهود الكتاب موتى معدلين فليس يتعلق به حكم إلا في الإرهاب المجرد الذي يقتضي فضل الكشف ثم في بت الحكم على ما تضمنه الإنكار من الاعتراف بالسبب أم لا .

                                      والحالة الخامسة : أن يقابل المدعى عليه بخط المدعي بما يوجب إكذابه في الدعوى فيعمل بما قدمناه في الخط ويكون الإرهاب معتبرا بشاهد الحال .

                                      والحالة السادسة : أن يظهر في الدعوى حساب يقتضي بطلان الدعوى فيعمل بما قدمناه في الحساب ويكون الكشف والإرهاب والمطاولة معتبرا بشواهد الأحوال ثم يبت الحكم بعد الإياس قطعا للنزاع . .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية