الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر صفة الطواف قال أبو بكر رحمه الله تعالى : كل طواف بعده سعي ففيه رمل في الثلاثة الأشواط الأول ، وكل طواف ليس بعده سعي بين الصفا والمروة فلا رمل فيه ، فالأول مثل طواف القدوم إذا أراد السعي بعده ، وطواف الزيارة إذا لم يسع بين الصفا والمروة حين قدم ، فإن كان قد سعى حين قدم عقيب طواف القدوم فلا رمل فيه وطواف العمرة فيه رمل ؛ لأن بعده سعيا بين الصفا والمروة وقد رمل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة حاجا .

رواه جابر بن عبد الله وابن عباس في رواية عطاء عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في الثلاثة الأشواط من الحجر إلى الحجر . وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عمر من قولهم مثل ذلك ، وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الركن اليماني ثم مشى إلى الركن الأسود .

وكذلك رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم . والنظر يدل على ما رواه الأولون من قبل اتفاق الأولين جميعا على تساوي الأربع الأواخر في المشي فيهن ، كذلك يجب أن يستوي الثلاث الأول في الرمل فيهن في جميع الجوانب ؛ إذ ليس في الأصول اختلاف حكم جوانبه في المشي ولا الرمل في سائر أحكام الطواف وقد اختلف السلف في بقاء سنة الرمل ، فقال قائلون : إنما كان ذلك سنة حين فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرائيا به للمشركين إظهارا للتجلد والقوة في عمرة القضاء ؛ لأنهم قالوا : قد أوهنتهم حمى يثرب ؛ فأمرهم بإظهار الجلد لئلا يطمع فيهم .

وقال زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : " فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أظهر الله الإسلام [ ص: 97 ] ونفى الكفر وأهله ؟ ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وقال أبو الطفيل : قلت لابن عباس : إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأنه سنة ، قال : " صدقوا وكذبوا ، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بسنة " .

قال أبو بكر : ومذهب أصحابنا أنه سنة ثابتة لا ينبغي تركها ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بديا لإظهار الجلد والقوة مراءاة للمشركين ؛ لأنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع ولم يكن هناك مشركون ؛ وقد فعله أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عمر وغيرهم ؛ فثبت بقاء حكمه وليس تعلقه بديا بالسبب المذكور مما يوجب زوال حكمه حيث زال السبب .

ألا ترى أنه قد روي أن سبب رمي الجمار أن إبليس لعنه الله عرض لإبراهيم عليه السلام بموضع الجمار فرماه ، ثم صار الرمي سنة باقية مع عدم ذلك السبب ؟ وروي أن سبب السعي بين الصفا والمروة أن أم إسماعيل عليه السلام صعدت الصفا تطلب الماء ثم نزلت فأسرعت المشي في بطن الوادي لغيبة الصبي عن عينها ، ثم لما صعدت من الوادي رأت الصبي فمشت على هينتها وصعدت المروة تطلب الماء ، فعلت ذلك سبع مرات ، فصار السعي بينهما سنة ، وإسراع المشي في الوادي سنة مع زوال السبب الذي فعل من أجله ، فكذلك الرمل في الطواف .

وقال أصحابنا : يستلم الركن الأسود واليماني دون غيرهما . وقد روي ذلك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أيضا عن ابن عباس عنه ، وقال ابن عمر حين أخبر بقول عائشة إن الحجر بعضه من البيت : " إني لأظن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك " . وقال يعلى بن أمية : طفت مع عمر بن الخطاب ، فلما كنت عند الركن الذي يلي الحجر أخذت أستلمه فقال : ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى قال فرأيته يستلمه ؟ قلت : لا قال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

التالي السابق


الخدمات العلمية