الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويقال ثالثا: لا نسلم أن المجموع المركب من الواجب والممكن يكون الواجب وحده علة له، بل علته الأجزاء جميعها، وذلك لأن [ ص: 222 ] المجموع متوقف على كل من الأجزاء: الواجب والممكنات، فالمجموع من حيث هو مجموع توقفه على كل جزء كتوقفه على الجزء الآخر، إذ كان لا يوجد إلا بوجود كل من الأجزاء، ثم إذا كان بعض الأجزاء علة لبعض، كان المجموع مفتقرا إلى الجزء الواجب، وإلى الجزء المفتقر إلى الجزء الواجب، ولا يلزم من ذلك أن يكون مجرد الواجب مقتضيا للمجموع بلا واسطة، بل لولا الجزء الآخر الممكن لما حصل المجموع، فتبين أن الواجب لا يكون وحده علة للمجموع من حيث هو مجموع، وإنما يكون علة لسائر الأجزاء، وهو وسائر الأجزاء علة للمجموع.

نعم يلزم أن يكون علة بنفسه للممكنات، وهو بتوسط الممكنات أو مع الممكنات علة للمجموع من حيث هو مجموع، ومثل هذا منتف في الأجزاء الممكنة، فإنه لا يمكن أن يكون علة للمجموع لا بنفسه ولا بتوسط غيره.

أما الأول فلأن الجزء الواجب إذا لم يكن وحده علة للمجموع، فالجزء الممكن أولى، ولأن المجموع متوقف على جميع الأجزاء فلا يستقل به واحد منها.

وأما الثاني فلأن الممكن لا يكون علة لنفسه ولا لما قبله من العلل، ولأن المجموع متوقف على جميع الأجزاء بالضرورة، فإن المعلول لا يكون علة علته، وإذا امتنع كونه علة لنفسه ولسائر الأجزاء المتقدمة [ ص: 223 ] عليه، لم يحصل به وحده هذه الأجزاء، والمجموع متوقف على هذه الأجزاء، فلا يكون شيء من الأجزاء الممكنة علة للمجموع لا بنفسه ولا بتوسط معلولاته، بخلاف الجزء الواجب فإنه إذا قيل عنه إنه علة للمجموع بنفسه وبتوسط معلولاته، كان هذا المعنى ممتنعا في الممكن، فالمعنى الذي يمكن أن يجعل فيه الواجب علة للمجموع الذي هو واحد منه يمتنع مثله في الممكنات، فلا يتصور أن يكون علة للمجموع الذي هو واحد منه، وهذا يكشف ما في الاعتراض من التلبيس والغلط:

التالي السابق


الخدمات العلمية