الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الحجري

                                                                                      الشيخ الإمام ، العلامة المعمر ، المقرئ المجود ، المحدث الحافظ ، الحجة ، شيخ الإسلام أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله بن سعيد بن محمد بن ذي النون ، الرعيني ، الحجري الأندلسي ، المريي ، المالكي ، الزاهد ، نزيل سبتة .

                                                                                      ولد سنة خمس وخمسمائة [ ص: 252 ]

                                                                                      وسمع " صحيح مسلم " من أبي عبد الله بن زغيبة ، وسمع من أبي القاسم بن ورد ، وأبي الحسن بن موهب ، ولقي أبا الحسن بن مغيث لقيه بقرطبة ، وأبا القاسم بن بقي ، وأبا عبد الله بن مكي ، وأبا جعفر البطروجي سمع منه " سنن النسائي " عاليا ، وأبا بكر ابن العربي ، وأبا الحسن شريحا ، وتلا عليه بالسبع ، وقرأ عليه " صحيح البخاري " سنة أربع وثلاثين ، وعني بالحديث ، وتقدم فيه .

                                                                                      قال الأبار : كان غاية في الورع والصلاح والعدالة . ولي خطابة المرية ، ودعي إلى القضاء ، فأبى ، ولما تغلب العدو نزح إلى مرسية ، وضاقت حاله ، فتحول إلى فاس ، ثم إلى سبتة ، فتصدر بها ، وبعد صيته ، ورحل إليه الناس ، وطلب إلى السلطان بمراكش ليأخذ عنه ، فبقي بها مدة ، ورجع ، حدثنا عنه عالم من الجلة سمعت أبا الربيع بن سالم يقول : صادف وقت وفاته قحط ، فلما وضعت جنازته ، توسلوا به إلى الله ، فسقوا ، وما اختلف الناس إلى قبره مدة الأسبوع إلا في الوحل .

                                                                                      قال : وهو رأس الصالحين ، ورسيس الأثبات الصادقين . حالف عمره الورع ، وسمع من العلم الكثير ، وأسمع وكانابن حبيش شيخنا كثيرا ما يقول : لم تخرج المرية أفضل منه ، وكان زمانا يخبر أنه يموت في [ ص: 253 ] المحرم لرؤيا رآها ، فكان كل سنة يتهيأ ، قرأت عليه " صحيح مسلم " -في ستة أيام- وكتبا ثم سماها .

                                                                                      قلت : تلا بالسبع أيضا على يحيى بن الخلوف ، وأبي جعفر بن الباذش .

                                                                                      تلا عليه أبو الحسن علي بن محمد الشاري ، وأكثر عنه .

                                                                                      وقال ابن فرتون : ظهرت لأبي محمد بن عبيد الله كرامات ، حدثنا شيخنا الراوية محمد بن الحسن بن غاز ، عن بنت عمه -وكانت صالحة ، وكانت استحيضت مدة - قالت : حدثت بموت ابن عبيد الله ، فشق علي أن لا أشهده ، فقلت : اللهم إن كان وليا من أوليائك ، فأمسك عني الدم حتى أصلي عليه ، فانقطع عني لوقته ، ثم لم أره بعد .

                                                                                      قلت : وحدث عنه : ابن غازي المذكور وأبو عمرو محمد بن محمد بن عيشون ، ومحمد بن أحمد اليتيم الأندرشي ، ومحمد بن محمد اليحصبي ، ومحمد بن عبد الله بن الصفار القرطبي ، وشرف الدين محمد بن عبيد الله المرسي ، وأبو الخطاب بن دحية ، وأخوه أبو عمرو ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محرز الزهري ، وعبد الرحمن بن القاسم السراج ، وأبو الحسن علي بن الفخار الشريشي ، وأبو الحسن علي بن فطرال ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد الأزدي ، وإبراهيم بن عامر [ ص: 254 ] الطوسي -بفتح الطاء- ومحمد بن إبراهيم بن الجرج ومحمد بن عبد الله الأزدي الذي بقي إلى سنة ستين وستمائة .

                                                                                      أخبرني عبد المؤمن بن خلف الحافظ أخبرنا محمد بن إبراهيم الأنصاري ، أخبرنا الحافظ عبد الله بن محمد الحجري ، أخبرنا أحمد بن محمد بن بقي ، وأحمد بن عبد الرحمن البطروجي ، قالا : حدثنا محمد بن الفرج الفقيه ، حدثنا يونس بن عبد الله القاضي ، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله ، أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، أخبرنا أبي ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله .

                                                                                      مات ابن عبيد الله في المحرم ، وقيل : في أول صفر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وكانت جنازته مشهودة بسبتة .

                                                                                      وقيل : بل ولد في سنة ثلاث وخمسمائة .

                                                                                      [ ص: 255 ] قال طلحة بن محمد : ثلاثة من أعلام المغرب في هذا الشأن : ابن بشكوال ، وأبو بكر خير ، وابن عبيد الله .

                                                                                      وقال ابن سالم : إذا ذكر الصالحون ، فحي هلا بابن عبيد الله .

                                                                                      وقال ابن رشيد : كان يجمع إلى الزهد والحفظ المشاركة في أنواع من العلم -رحمه الله .

                                                                                      وقال ابن رشيد : وقيل : مكث أربعين سنة لا يحضر الجمعة لعذر به ، ثم أنكر ابن رشيد هذا ، وقال : لم ينقطع هذه المدة كلها عن الجمعة .

                                                                                      قلت : كأنه انقطع بعض ذلك لكبره وسنه ، وكان أهل سبتة يتغالون فيه ، ويتبركون برؤيته -رحمه الله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية