الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ويجوز بيع المدبر ، لما روى جابر رضي الله عنه { أن رجلا دبر غلاما له ليس له مال غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم النحام . }

                                      [ ص: 292 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 292 ] الشرح ) حديث جابر صحيح رواه البخاري ومسلم ولفظه عن جابر { أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له غلام غيره ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه ، فقال جابر بن عبد الله : كان عبدا قبطيا مات عام أول } وفي رواية لمسلم " مات عام أول في ولاية ابن الزبير " وفي رواية للبخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم باع المدبر ( قوله ) : نعيم هو - بضم النون ( وقوله ) النحام - هو بنون مفتوحة ثم حاء مهملة مشددة ، ووقع في بعض نسخ المهذب نعيم فقط ، وفي بعضها نعيم بن النحام ، وكذا وقع في بعض روايات مسلم ، قالوا : وهو غلط ، وصوابه نعيم النحام ، فالنحام هو نعيم ، ومعنى النحام السعال ، وهو الذي يسعل ، وسمي بذلك لأن { النبي صلى الله عليه وسلم قال له : سمعت نحمتك في الجنة أي سعلتك } وقيل : هي النحنحة ، وكل هذا صفة لنعيم لا لأبيه عبد الله ، وأسلم نعيم قديما بعد عشرة أنفس ، وقيل ثمانية وثلاثين ، وكان جوادا ، واستشهد يوم أجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة ، واسم هذا الغلام المدبر : يعقوب ، واسم سيده مدبره أبو مذكور ، والله أعلم .

                                      ( أما حكم المسألة ) فمذهبنا جواز بيع المدبر ، سواء كان محتاجا إلى ثمنه أم لا ، سواء كان على سيده دين أم لا ، وسواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا هذا مذهبنا ، وبه قالت عائشة أم المؤمنين ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وغيرهم ، وقال الحسن وعطاء : يجوز إذا احتاج إلى ثمنه سيده ، وقال أبو حنيفة : وإن كان تدبيرا مطلقا لم يجز ، وإن كان مقيدا بأن يقول : إن مت من مرضي هذا فأنت حر جاز ، وقال مالك : لا يجوز مطلقا ، وهو رواية عن أبي حنيفة وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري ، ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء من السلف وغيرهم [ ص: 293 ] من أهل الحجاز والشام والكوفة . واحتجوا بالقياس على أم الولد واحتج أصحابنا بحديث جابر المذكور في الكتاب ، وقد بيناه ، وبالقياس على الموصى بعتقه ، فإنه يجوز بيعه بالإجماع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية