الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثني أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن يسار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد ، قال : لما ولي عمر بن هبيرة العراق أرسل إلى الحسن وإلى الشعبي فأمر لهما ببيت وكانا فيه شهرا أو نحوه ، ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال : إن الأمير داخل عليكما ، فجاء - عمر يتوكأ على عصا له فسلم ثم جلس معظما لهما ، فقال : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك ينفذ كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلكة ، فإن أطعته عصيت الله ، وإن عصيته أطعت الله عز وجل ، فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا ؟ فقال الحسن : يا أبا عمرو أجب الأمير ، فتكلم الشعبي فانحط في حبل ابن هبيرة ، فقال : ما تقول أنت يا أبا سعيد ، فقال : أيها الأمير قد قال الشعبي ما قد سمعت ، قال : ما تقوله أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : أقول يا عمر بن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى فظ غليظ لا يعصي الله ما أمره فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، يا عمر بن هبيرة إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ولا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله عز وجل . يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن [ ص: 150 ] عبد الملك نظرة مقت فيغلق فيها باب المغفرة دونك ، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة كانوا والله على الدنيا وهي مقبلة أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة ، يا عمر بن هبيرة إني أخوفك مقاما خوفكه الله تعالى فقال : ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) . يا عمر بن هبيرة إن تك مع الله تعالى في طاعاته كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك ، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله وكلك الله إليه ، قال : فبكى - عمر وقام بعبرته ، فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزها وكثر منه ما للحسن ، وكان في جائزته للشعبي بعض الإقتار فخرج الشعبي إلى المسجد ، فقال : يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه فليفعل ، فوالذي نفسي بيده ما علم الحسن منه شيئا فجهلته ولكن أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه ؛ قال وقام المغيرة بن مخادش ذات يوم إلى الحسن ، فقال : كيف نصنع بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير ؟ فقال الحسن : والله لئن تصحب أقواما يخوفونك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى يلحقك الخوف ، فقال له بعض القوم : أخبرنا صفة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فبكى وقال : ظهرت منهم علامات الخير في السيماء والسمت والهدى والصدق ، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد ، وممشاهم بالتواضع ، ومنطقهم بالعمل ، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق ، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى ، واستفادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا ، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم ، ظمأت هواجرهم ، ونحلت أجسامهم ، واستخفوا بسخط المخلوقين رضا الخالق ، لم يفرطوا في غضب ، ولم يحيفوا في جور ، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن ، شغلوا الألسن بالذكر ، بذلوا دماءهم حين استنصرهم ، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم ، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين . حسنت أخلاقهم ، وهانت مؤنتهم ، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم

              .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية