الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( واختلف أصحابنا في بيع بيض دود القز وبيض ما لا يؤكل لحمه من الطيور التي يجوز بيعها ، كالصقر والبازي ، فمنهم من قال : هو طاهر ، ومنهم من قال هو نجس ، بناء على الوجهين في طهارة مني ما لا يؤكل لحمه ونجاسته ( فإن قلنا ) إن ذلك طاهر جاز بيعه ، لأنه طاهر منتفع به ، فهو كبيض الدجاج ( وإن قلنا ) إنه نجس لم يجز بيعه ، لأنه عين نجسة فلم يجز بيعه كالكلب والخنزير ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) اتفق أصحابنا على جواز بيع دود القز ، لأنه حيوان طاهر منتفع به ، فهو كالعصفور والنحل وغيرهما ( وأما ) بيض دود القز وبيض ما لا يؤكل لحمه من الطيور ففيه وجهان مشهوران ( أصحهما ) صحة البيع ( والثاني ) بطلانه ، وهما مبنيان على طهارته ونجاسته ، وفيها وجهان كمني ما لا يؤكل ، وقد سبق بيان الخلاف في باب إزالة النجاسة وأن الأصح طهارته ( وأما ) قول المصنف من الطيور التي يجوز بيعها فزيادة لا تعرف للأصحاب بل الصواب المعروف أنه لا فرق بين ما لا يؤكل لحمه كالرخمة وغيرها ، وفي الجميع الوجهان ( أصحهما ) جواز بيعه لأن الخلاف مبني كما ذكر المصنف والأصحاب - على طهارة هذا البيض ونجاسته ، والخلاف فيه شامل لما يجوز بيعه وغيره ، والله تعالى أعلم . وحكى المتولي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز بيع دود القز ولا بيضه .



                                      فروع في مسائل مهمة تتعلق بالباب ( فرع ) بيع لبن الآدميات جائز عندنا لا كراهة فيه ، وهذا هو المذهب وقطع به الأصحاب إلا الماوردي والشاشي والروياني فحكوا وجها شاذا عن أبي القاسم الأنماطي من أصحابنا أنه نجس لا يجوز بيعه ، [ ص: 305 ] وإنما يربى به الصغير للحاجة ، وهذا الوجه غلط من قائله ، وقد سبق بيانه في باب إزالة النجاسة فالصواب جواز بيعه ، قال الشيخ أبو حامد هكذا قاله الأصحاب قال : ولا نص للشافعي في المسألة ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز بيعه ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين ، هذا مذهبنا . واحتج المانعون بأنه لا يباع في العادة ، وبأنه فضلة آدمي فلم يجز بيعه ، كالدمع والعرق والمخاط ، وبأن ما لا يجوز بيعه متصلا لا يجوز بيعه منفصلا ، كشعر الآدمي ، ولأنه لا يؤكل لحمهما فلا يجوز بيع لبنها كالأتان . واحتج أصحابنا بأنه لبن طاهر منتفع به ، فجاز بيعه كلبن الشاة ، ولأنه غذاء للآدمي فجاز بيعه كالخبز ( فإن قيل ) هذا منتقض بدم الحيض فإنه غذاء للجنين ولا يجوز بيعه قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : ( فالجواب ) أن هذا ليس بصحيح ولا يتغذى الجنين بدم الحيض ، بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم ، وعلى وجهه المشيمة ، ولهذا أجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها ، ولأنه مائع يحل شربه فجاز بيعه كلبن الشاة قال الشيخ أبو حامد : ( فإن قيل ) ينتقض بالعرق ( قلنا ) لا نسلم بل يحل شربه ( وأما ) الجواب عن قولهم لا يباع في العادة ، فإنه لا يلزم من عدم بيعه في العادة أن لا يصح بيعه ، ولهذا يجوز بيع بيض العصافير ، وبيع الطحال ، ونحو ذلك مما لا يباع في العادة ( والجواب ) عن القياس على الدمع والعرق والمخاط أنه لا منفعة فيها بخلاف اللبن وعن البيض بأنه لا يجوز الانتفاع به بخلاف اللبن ، وعن لبن الأتان بأنه نجس بخلاف الآدمية ، والله تعالى أعلم .



                                      ( فرع ) في بيع القينة بفتح القاف ، وهي الجارية المغنية ، فإذا كانت تساوي ألفا بغير غناء وألفين مع الغناء ، فإن باعها بألف صح البيع بلا خلاف وإن باعها بألفين ففيها ثلاثة أوجه ذكرها إمام الحرمين وغيره [ ص: 306 ] ( أصحهما ) يصح بيعها ، وبه قال أبو بكر الأزدي لأنها عين طاهرة منتفع بها فجاز بيعها بأكثر من قيمتها ، كسائر الأعيان ( والثاني ) لا يصح ، قاله أبو بكر المحمودي من أصحابنا : لأن الألف تصير في معنى المقابل للغناء ( والثالث ) إن قصد الغناء بطل البيع وإلا فلا ، قال الشيخ أبو زيد المروذي : قال إمام الحرمين : القياس السديد هو الجزم بالصحة ذكره في فروع مبتورة عند كتاب الصداق ( وأما ) الحديث الذي يروى عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام } وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } رواه بهذا الإسناد الترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم ، واتفق الحفاظ على أنه ضعيف ; لأن مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ ، قال البخاري : هو منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس هو ثقة ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، أحاديثه منكرة وقال يعقوب بن أبي شيبة : هو واهي الحديث ، قال الترمذي في تعليقه : هذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وعلي بن يزيد تكلم فيه بعض أهل العلم وضعفه . ونقل البيهقي عن الترمذي يعني من كتاب العلل له قال : سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : علي بن يزيد ذاهب الحديث . قال البيهقي : وروي عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة وليس بمحفوظ وخلط فيه ليث .



                                      [ ص: 307 ] فرع ) الكبش المتخذ للنطاح ، والديك المتخذ للهراش بينه وبين غيره حكمه في البيع حكم الجارية المغنية فإن باعه بقيمته ساذجا جاز ، وإن زاد بسبب النطاح والهراش ففيه الأوجه الثلاثة ( أصحها ) صحة بيعه ، وممن ذكر المسألة القاضي حسين وآخرون ، وأما قول الغزالي في الوسيط في أول كتاب البيع : ( في بيع القينة والكبش الذي يصلح للنطاح كلام سنذكره ) فلم يذكره في الوسيط ، وكأنه نوى أن يذكره حيث ذكره شيخه إمام الحرمين عند كتاب الصداق ثم نسيه حين وصله .



                                      ( فرع ) بيع إناء الذهب أو الفضة صحيح قطعا ، لأن المقصود عين الذهب والفضة ، وقد سبقت المسألة في باب الآنية .



                                      ( فرع ) بيع الماء المملوك صحيح على المذهب وبه قطع الجمهور ، وستأتي تعاريفه إن شاء الله تعالى في إحياء الموات . فإذا صححنا بيع الماء ففي بيعه على شط النهر مع التمكن من الأخذ من النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع الحجارة بين الشعاب الكبيرة والأحجار وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ( أصحهما ) جوازه ، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين لأنه وجد فيه جميع شرائط المبيع ، وإنما الاستغناء عنه لكثرته ، وذلك لا يمنع صحة البيع ( والثاني ) بطلانه ، لأن بذل المال فيه والحالة هذه سفه ، والله تعالى أعلم .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : السم إن كان يقتل كثيره وينفع قليله كالسقمونيا والأفيون جاز بيعه بلا خلاف ، وإن قتل قليله وكثيره فالمذهب بطلان بيعه وبه قطع الجمهور ، ومال إمام الحرمين ووالده إلى الجواز ليدس في طعام الكافر .



                                      [ ص: 308 ] فرع ) آلات الملاهي كالمزمار والطنبور وغيرهما إن كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا لم يصح بيعها ، لأنه ليس فيها منفعة شرعا ، وهكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا المتولي والروياني فحكيا فيه وجها فيه أنه يصح البيع ، وهو شاذ باطل ، وإن كان رضاضها يعد مالا ففي صحة بيعها وبيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب والفضة وغيرها ثلاثة أوجه ( أصحه ) البطلان وبه قطع كثيرون ( والثاني ) الصحة ( والثالث ) وهو اختيار القاضي حسين في تعليقه والمتولي وإمام الحرمين والغزالي أنه إن اتخذ من جوهر نفيس صح بيعها ، وإن اتخذ من خشب ونحوه فلا . قال الرافعي والمذهب البطلان مطلقا ، قال : وبه قطع عامة الأصحاب ، والله تعالى أعلم .



                                      ( فرع ) قال القاضي حسين والمتولي والروياني وغيرهم : يكره بيع الشطرنج قال المتولي . وأما الخرز فإن صلح لبيادق الشطرنج فكالشطرنج وإلا فكالمزمار .



                                      ( فرع ) قال المتولي لبن الأضحية المعينة يتصدق به على الفقراء في الحال ويجوز لهم بيعه قال وكذا لبن صيد الحرم إذا أبحنا للفقراء شربه ويجوز لهم بيعه لأنه طاهر منتفع به



                                      . ( فرع ) يجوز بيع المشاع كنصف من عبد أو بهيمة أو ثوب أو خشبة أو أرض أو شجرة أو غير ذلك بلا خلاف سواء كان مما ينقسم أم لا ، كالعبد والبهيمة للإجماع فلو باع بعضا شائعا من الشيء بمثله من ذلك الشيء كدار بينهما نصفين فباع النصف الذي له بالنصف الذي [ ص: 309 ] لصاحبه ففي صحة البيع وجهان ، حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أحدهما ) لا يصح لعدم الحاجة إليه ( وأصحهما ) يصح وبه قطع المتولي لوجود شرائطه كما لو باع درهما بدرهم من سكة واحدة أو صاعا بصاع من صبرة واحدة ، فعلى هذا يملك كل واحد النصف الذي كان لصاحبه ، وتظهر فائدته في مسائل : ( منها ) لو كانا جميعا أو أحدهما قد ملك نصيبه بالهبة من والده انقطعت سلطة الرجوع في الهبة لزوال ملكه عن العين الموهوبة .

                                      ( ومنها ) لو ملكه بالشراء ثم اطلع على عيب بعد هذا التصرف لم يملك الرد على بائعه .

                                      ( ومنها ) لو ملكه بالصداق ثم طلقها قبل الدخول لم يكن له الرجوع فيه .

                                      ( ومنها ) لو اشترى النصف ولم يؤد ثمنه ثم حجر عليه بالإفلاس لم يكن للبائع الرجوع فيه بعد هذا التصرف لو باع النصف الذي له بالثلث من نصيب صاحبه ففي الصحة الوجهان ( أصحهما ) الصحة ، ويصير بينهما أثلاثا ، وبهذا قطع صاحب التقريب والمتولي واستبعده إمام الحرمين والله سبحانه وتعالى أعلم .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : لا يصح بيع العبد المنذور إعتاقه كما لا يصح بيع أم الولد . وممن صرح به المتولي والروياني وقد سبقت الإشارة إليه عند ذكر شروط المبيع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية