الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإن منكم لمن ليبطئن اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها في المنافقين ، كعبد الله بن أبي ، وأصحابه كانوا يتثاقلون عن الجهاد ، فإن لقيت السرية نكبة ، قال من أبطأ منهم: لقد أنعم الله علي ، وإن لقوا غنيمة ، قال: يا ليتني كنت معهم . هذا قول ابن عباس ، وابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها نزلت في المسلمين الذين قلت علومهم بأحكام الدين ، فتثبطوا لقلة العلم ، لا لضعف الدين ، ذكره الماوردي ، وغيره . فعلى الأول تكون إضافتهم إلى المؤمنين بقوله "منكم" لموضع نطقهم بالإسلام ، وجريان أحكامه عليهم ، وعلى الثاني تكون الإضافة حقيقة ، قال ابن جرير: اللام في "لمن" لام تأكيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : واللام في "ليبطئن" لام القسم ، كقولك: إن منكم لمن أحلف بالله ليبطئن ، يقال: "أبطأ الرجل" و "بطؤ" . فمعنى "أبطأ": تأخر ، ومعنى "بطؤ": ثقل . وقرأ أبو جعفر: "ليبطئن" بتخفيف الهمزة ، وفي معنى "ليبطئن" قولان . أحدهما: ليبطئن هو بنفسه ، وهو قول ابن عباس . والثاني: ليبطئن غيره ، قاله ابن جريج . قال ابن عباس : و "المصيبة": النكبة . و "الفضل من الله": الفتح والغنيمة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 131 ] قوله تعالى: ( كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ) قرأ ابن كثير ، وحفص ، والمفضل ، عن عاصم: كأن لم تكن بالتاء ، لأن الفاعل المسند إليه مؤنث في اللفظ وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، عن عاصم: يكن بالياء ، لأن التأنيث ليس بحقيقي . قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى: ليقولن يا ليتني كنت معهم ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ، أي: كأنه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم ، ويجوز أن يكون هذا الكلام معترضا به ، فيكون المعنى: ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن يا ليتني كنت معهم فإن أصابتكم مصيبة ، قال: قد أنعم الله علي ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودة . فيكون معنى "المودة" أي: كأنه لم يعاقدكم على الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية