الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع التاسع : الرق على أحد الشخصين للآخر ، وهو يمنع في جميع [ ص: 341 ] الحالات ، وقاله الأئمة فلا يجوز للرجل نكاح أمته ، ولا للمرأة نكاح عبدها ، ومتى ملك أحد الزوجين صاحبه انفسخ النكاح .

                                                                                                                قاعدة : كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع ، فلذلك لا يحد المجنون بسبب في الصحة ، ولا السكران ; لأن مقصود الحد الزجر بما يشاهده المكلف من المؤلمات والمذلات في نفسه ، وذلك إنما يحصل بمرآة العقل ، وكذلك لا يشرع اللعان في المجنون ، ومن لا يولد له ; لأنه لا يلحق به الولد ، وكذلك لا يشرع عقد البيع مع الجهالة والغرر ; لأن مقصوده تنمية المال وتحصيل مقاصد العوضين ، وذلك غير معلوم حينئذ ، ونظائرها كثيرة فلهذه القاعدة لا يشرع نكاح الرجل أمته ; لأن مقاصد النكاح حاصلة قبل العقد بالملك ، فلم يحصل العقد شيئا فلا يشرع .

                                                                                                                قاعدة : مقصود الزوجية : التراكن والود والإحسان من الطرفين لقوله تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ( الروم : 21 ) ، ومقصود الرق : الامتهان والاستخدام والقهر بسبب سابقة الكفر أو مقارنته زجرا عنه ، وهذه المقاصد مضادة لمقاصد الزوجية فلا يجتمعان .

                                                                                                                قاعدة : من مقتضى الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب لإصلاح الأخلاق لقوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) ( النساء : 34 ) ، والاسترقاق يقتضي قهر السادات ، والقيام على الرقيق بالإصلاح والاستيلاء والاستهانة ، فيتعذر أن تكون المرأة زوجة وسيدة لتنافي البابين .

                                                                                                                قاعدة : كل أمرين لا يجتمعان يقدم الشرع والعرف والعقل أقواهما ، والرق أقوى من النكاح لكونه يوجب التمكن من جملة المنافع [ ص: 342 ] والرقبة ، وبعض المنافع إباحة الوطء الذي لا يقتضي النكاح غيره ، فيكون الملك أقوى فيقدم إذا تقرر ذلك فلا يتزوج الرجل أمته للقاعدة الأولى ، ولا المرأة عبدها للقاعدة الثانية والثالثة ، ومتى دخلت الزوجية على الرق ، والرق على الزوجية كمشتري امرأته لا يثبت إلا الرق في سائر الأحوال للقاعدة الرابعة .

                                                                                                                تفريع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اشترت المرأة زوجها بعد البناء فسخ النكاح واتبعته بالمهر ، كمن داين عبدا ثم اشتراه ، أو قبل البناء فلا مهر إلا إن سرى هي وسيده فسخ النكاح ، أي : يقصدان فلا يجوز ، وتبقى زوجة ; لأن العصمة بيد العبد فلا تخرج من يده بالضرر ، قال اللخمي : إذا اشترته مكاتبا أو اشتراها مكاتبة ، قيل : يفسخ النكاح لملك الرقبة ، وقيل : لا يفسخ ; لأن العقد الآن إنما وقع على الكتابة ، فإن حصل العجز فحينئذ يفسخ ، وفي الجواهر : إذا وهبها انفسخ نكاحه ، وفي الكتاب : لا يجوز ولا ينفسخ ; لأنه عرض فاسد ، وقال أصبغ : يكره ويجوز ، وقال عبد الملك : إن كان مثله يملك مثلها جاز ، ويفسخ النكاح وإلا بطلت الهبة ولا يفسخ ، قال ابن محرز : هذا يدل من ملك على إجبار السيد عبده على قبول الهبة ; إذ لولا ذلك لم يكن لمقصد السيد تأثير ; لأن للعبد عدم القبول ، قال اللخمي : قال محمد : إذا اشترى أحدهما صاحبه بالخيار لا ينفسخ النكاح إلا بقبول من له الخيار لعدم تحقق المعارض أو بالعهدة انفسخ حينئذ لتحقق نقل الملك ، ولذلك شرط الاستبراء ، وإن كان الماء ماء ، ( قال : والقياس في المسألتين عدم الفسخ الآن ، وفي الكتاب : لا يتزوج الرجل [ ص: 343 ] مكاتبته ، ولا أمته ، ولا المرأة ) عبدها ، ولا مكاتبها ، ولا يتزوج أمة ولده ; لأنه لو زنا بها لم يحد كأمته ، وفي الجواهر : إن فعل سقط الحد ، وتحرم على الابن بالمصاهرة ، ويلحق النسب ، وينعقد الولد على الحرية ، وتصير أم ولده ، وينقل الملك إليه بمجرد الوطء ، وتثبت قيمة الولد من غير خياره ، وقال عبد الملك : له التمسك في عسر الأب ويسره ، ما لم تحمل إذا كان الابن مأمونا على غيبته عليها ، فإن كانت موطوءة للابن ملكها الأب بالاستيلاد ، وحرم عليه وطؤها بوطء الابن فتعتق عليه لتحريم الوطء .

                                                                                                                وفي الكتاب : نكاح الحرة على الأمة ، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت ، فإن كانتا اثنتين فعلمت إحداهما دون الأخرى فلها الخيار بعد علمها بالأخرى ، وأما إذا تزوج العبد الحرة على الأمة أو بالعكس فلا خيار ; لأن الأمة من نسائه ، ولأنها رضيت بمقارنة العبد مع وصف الاستيلاد ، قال اللخمي : وقال عبد الملك : لها الخيار لمزيد الضرر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا اشترى أمة من أبيه لم تكن له أم ولد يحملها ولا ولدها ولا قبل الشراء المعتقة على هذه بخلاف أمة الأجنبي ، وقال غيره : لا يجوز شراؤه لها لعتق حملها على الحد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : الأحسن أن لا يطأ أمة عبده ، ولا يزوجها منه إلا بعد الانتزاع ، فإن فعل صح ; لأن التزويج انتزاع ، ولا يصح زواج أحد لأمته إلا في هذه الصورة . [ ص: 344 ] فرع

                                                                                                                قال اللخمي : قال محمد : إذا أخدم السيد عبده لامرأة العبد ، والأمة لزوجها : إن كان مرجع العبد للحرية انفسخ النكاح إن قبل المخدم للخدمة ، أو إلى سيده أو غيره بالملك لم ينفسخ لتعذر ملك غيره المرأة عليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية