الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عضض ]

                                                          عضض : العض : الشد بالأسنان على الشيء ، وكذلك عض الحية ، ولا يقال للعقرب لأن لدغها إنما هو بزباناها وشولتها ، وقد عضضته أعضه وعضضت عليه عضا وعضاضا وعضيضا وعضضته ، تميمية ولم يسمع لها بآت على لغتهم ، والأمر منه عض واعضض . وفي حديث العرباض : وعضوا عليها بالنواجذ ; هذا مثل في شدة الاستمساك بأمر الدين لأن العض بالنواجذ عض بجميع الفم والأسنان ، وهي أواخر الأسنان ، وقيل : هي التي بعد الأنياب . وحكى الجوهري عن ابن السكيت : عضضت باللقمة فأنا أعض ، وقال أبو عبيدة : عضضت - بالفتح - لغة في الرباب . قال ابن بري : هذا تصحيف على ابن السكيت ، والذي ذكره ابن السكيت في كتاب الإصلاح : غصصت باللقمة فأنا أغص بها غصصا . قال أبو عبيدة : وغصصت لغة في الرباب ، بالصاد المهملة لا بالضاد المعجمة . ويقال : عضه وعض به وعض عليه وهما يتعاضان إذا عض كل واحد منهما صاحبه ، وكذلك المعاضة والعضاض . وأعضضته سيفي : ضربته به . وما لنا في هذا الأمر معض أي مستمسك . والعض باللسان : أن يتناوله بما لا ينبغي ، والفعل كالفعل ، وكذلك المصدر . ودابة ذات عضيض وعضاض ، قال سيبويه : العضاض اسم كالسباب ليس على فعله فعلا . وفرس عضوض أي يعض ، وكلب عضوض وناقة عضوض ، بغير هاء . ويقال : برئت إليك من العضاض والعضيض إذا باع دابة وبرئ إلى مشتريها من عضها الناس ، والعيوب تجيء على فعال ، بكسر الفاء . وأعضضته الشيء فعضه ، وفي الحديث : من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا أي قولوا له : اعضض بأير أبيك ولا تكنوا عن الأير بالهن تنكيلا وتأديبا لمن دعا دعوى الجاهلية ; ومنه الحديث أيضا : من اتصل فأعضوه أي : من انتسب نسبة الجاهلية وقال يا لفلان . وفي حديث أبي : أنه أعض إنسانا اتصل . وقال أبو جهل لعتبة يوم بدر : والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته ; وقال الأعشى :


                                                          عض بما أبقى المواسي له السكيت من أمه في الزمن الغابر

                                                          وما ذاق عضاضا أي ما يعض عليه . ويقال : ما عندنا أكال ولا عضاض ; وقال :


                                                          كأن تحتي بازيا ركاضا     أخدر خمسا لم يذق عضاضا

                                                          أخدر : أقام خمسا في خدره ، يريد أن هذا البازي أقام في وكره خمس ليال مع أيامهن لم يذق طعاما ثم خرج بعد ذلك يطلب الصيد وهو قرم إلى اللحم شديد الطيران ، فشبه ناقته به . وقال ابن بزرج : ما أتانا من عضاض وعضوض ومعضوض أي : ما أتانا شيء نعضه . قال : وإذا كان القوم لا بنين لهم فلا عليهم أن يروا عضاضا . وعض الرجل بصاحبه يعضه عضا : لزمه ولزق به . وفي حديث يعلى : ينطلق أحدكم إلى أخيه فيعضه كعضيض الفحل ; أصل العضيض اللزوم ، وقال ابن الأثير في النهاية : المراد به هاهنا العض نفسه لأنه بعضه له يلزمه . وعض الثقاف بأنابيب الرمح عضا وعض عليها : لزمها ، وهو مثل بما تقدم لأن حقيقة هذا الباب اللزوم واللزوق . وأعض الرمح الثقاف : ألزمه إياه . وأعض الحجام المحجمة قفاه : ألزمها إياه ; عن اللحياني . وفلان عض فلان وعضيضه أي قرنه . ورجل عض : مصلح لمعيشته وماله ولازم له حسن القيام عليه . وعضضت بمالي عضوضا وعضاضة : لزمته . ويقال : إنه لعض مال ، وفلان عض سفر قوي عليه وعض قتال ; وأنشد الأصمعي :


                                                          لم نبق من بغي الأعادي عضا



                                                          والعضوض : من أسماء الدواهي . وفي التهذيب : العضعض العض الشديد ، ومنهم من قيده من الرجال . والضعضع : الضعيف . والعض : الداهية . وقد عضضت يا رجل أي صرت عضا ; قال القطامي :


                                                          أحاديث من أنباء عاد وجرهم     يثورها العضان زيد ودغفل

                                                          يريد بالعضين زيد بن الكيس النميري ، ودغفلا النسابة ، وكانا عالمي العرب بأنسابها وأيامها وحكمها ; قال ابن بري : وشاهد العض أيضا قول نجاد الخيبري :


                                                          فجعهم باللبن العكركر     عض لئيم المنتمى والعنصر

                                                          والعض أيضا : السيئ الخلق ; قال : [ ص: 185 ] ولم أك عضا في الندامى ملوما والجمع أعضاض . والعض ، بكسر العين : العضاه . وأعضت الأرض ، وأرض معضة : كثيرة العضاه . وقوم معضون : ترعى إبلهم العض . والعض ، بضم العين : النوى المرضوخ والكسب تعلفه الإبل وهو علف أهل الأمصار ; قال الأعشى :


                                                          من سراة الهجان صلبها الع     ض ورعي الحمى وطول الحيال

                                                          العض : علف أهل الأمصار مثل القت والنوى . وقال أبو حنيفة : العض العجين الذي تعلفه الإبل ، وهو أيضا الشجر الغليظ الذي يبقى في الأرض . قال : والعضاض كالعض والعضاض أيضا ما غلظ من النبت وعسا . وأعض القوم : أكلت إبلهم العض أو العضاض ; وأنشد :


                                                          أقول وأهلي مؤركون وأهلها     معضون إن سارت فكيف أسير

                                                          وقال مرة في تفسير هذا البيت عند ذكر بعض أوصاف العضاه : إبل معضة ترعى العضاه ، فجعلها إذ كان من الشجر لا من العشب بمنزلة المعلوفة في أهلها النوى وشبهه ، وذلك أن العض هو علف الريف من النوى والقت وما أشبه ذلك ، ولا يجوز أن يقال من العضاه معض إلا على هذا التأويل . والمعض : الذي تأكل إبله العض . والمؤرك : الذي تأكل إبله الأراك والحمض ، والأراك من الحمض . قال ابن سيده : قال المتعقب غلط أبو حنيفة في الذي قاله وأساء تخريج وجه كلام الشاعر ; لأنه قال : إذا رعى القوم العضاه قيل القوم معضون ، فما لذكره العض ، وهو علف الأمصار ، مع قول الرجل العضاه :


                                                          وأين سهيل من الفرقد

                                                          وقوله : لا يجوز أن يقال من العضاه معض إلا على هذا التأويل ، شرط غير مقبول منه ; لأن ثم شيئا غيره عليه قبل ، ونحن نذكره إن شاء الله تعالى . وفي الصحاح : بعير عضاضي أي سمين منسوب إلى أكل العض ; قال ابن بري : وقد أنكر علي بن حمزة أن يكون العض النوى لقول امرئ القيس :


                                                          تقدمه نهدة سبوح     صلبها العض والحيال

                                                          قال أبو زيد في أول كتاب الكلإ والشجر : العضاه اسم يقع على شجر من شجر الشوك له أسماء مختلفة يجمعها العضاه ، واحدتها عضاهة ، وإنما العضاه الخالص منه ما عظم واشتد شوكه ، وما صغر من شجر الشوك فإنه يقال له العض والشرس ، وإذا اجتمعت جموع ذلك فما له شوك من صغاره عض وشرس ، ولا يدعيان عضاها ، فمن العضاه السمر والعرفط والسيال والقرظ والقتاد الأعظم والكنهبل والعوسج والسدر والغاف والغرب ، فهذه عضاه أجمع ومن عضاه القياس ، وليس بالعضاه الخالص الشوحط والنبع والشريان والسراء والنشم والعجرم والتألب والغرف فهذه تدعى كلها عضاه القياس ، يعني القسي ، وليست بالعضاه الخالص ولا بالعض ; ومن العض والشرس القتاد الأصغر ، وهي التي ثمرتها نفاخة كنفاخة العشر إذا حركت انفقأت ، ومنها الشبرم والشبرق والحاج واللصف والكلبة والعتر والثغر فهذه عض وليست بعضاه ، ومن شجر الشوك الذي ليس بعض ولا عضاه الشكاعى والحلاوى والحاذ والكب والسلح . وفي النوادر : هذا بلد عض وأعضاض وعضاض أي شجر ذي شوك . قال ابن السكيت في المنطق : بعير عاض إذا كان يأكل العض وهو في معنى عضه وعلى هذا التفصيل قول من قال معضون يكون من العض الذي هو نفس العضاه وتصح روايته . والعضوض من الآبار : الشاقة على الساقي في العمل ، وقيل : هي البعيدة القعر الضيقة ; أنشد :


                                                          أوردها سعد علي مخمسا     بئرا عضوضا وشنانا يبسا

                                                          والعرب تقول : بئر عضوض وماء عضوض إذا كان بعيد القعر يستقى منه بالسانية . وقال أبو عمرو : البئر العضوض هي الكثيرة الماء ، قال : وهي العضيض . في نوادره : ومياه بني تميم عضض وما كانت البئر عضوضا ولقد أعضت ، وما كانت جدا ولقد أجدت ، وما كانت جرورا ولقد أجرت . والعضاض : ما بين روثة الأنف إلى أصله ، وفي التهذيب : عرنين الأنف ; قال :


                                                          لما رأيت العبد مشرحفا     أعدمته عضاضه والكفا

                                                          وقال ابن بري : قال أبو عمر الزاهد العضاض - بالضم - الأنف ; وقال ابن دريد : الغضاض ، بالغين المعجمة ; وقال أبو عمرو : العضاض - بالضم والتشديد - الأنف ; وأنشد لعياض بن درة :


                                                          وألجمه فأس الهوان فلاكه     فأغضى على عضاض أنف مصلم

                                                          قال الفراء : العضاضي الرجل الناعم اللين مأخوذ من العضاض وهو ما لان من الأنف . وزمن عضوض أي كلب . قال ابن بري : عضه القتب وعضه الدهر والحرب ، وهي عضوض ، وهو مستعار من عض الناب ; قال المخبل السعدي :


                                                          لعمر أبيك لا ألقى ابن عم     على الحدثان خيرا من بغيض
                                                          غداة جنى علي بني حربا     وكيف يداي بالحرب العضوض

                                                          وأنشد ابن بري لعبد الله بن جرير :


                                                          وإني ذو غنى وكريم قوم     وفي الأكفاء ذو وجه عريض
                                                          غلبت بني أبي العاصي سماحا     وفي الحرب المنكرة العضوض

                                                          وملك عضوض : شديد فيه عسف وعنف . وفي الحديث : ثم يكون ملك عضوض أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم ، كأنهم يعضون فيه عضا . والعضوض من أبنية المبالغة ، وفي رواية : ثم يكون ملوك عضوض ، وهو جمع عض - بالكسر - وهو الخبيث الشرس . وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه : وسترون بعدي ملكا [ ص: 186 ] عضوضا . وقوس عضوض إذا لزق وترها بكبدها . وامرأة عضوض : لا ينفذ فيها الذكر من ضيقها . وفلان يعضض شفتيه أي يعض ويكثر ذلك من الغضب . وفلان عضاض عيش أي صبور على الشدة . وعاض القوم العيش منذ العام فاشتد عضاضهم أي اشتد عيشهم . وغلق عض : لا يكاد ينفتح . والتعضوض : ضرب من التمر شديد الحلاوة ، تاؤه زائدة مفتوحة ، واحدته تعضوضة ، وفي التهذيب : تمر أسود ، التاء فيه ليست بأصلية . وفي الحديث : أن وفد عبد القيس قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما أهدوا له قرب من تعضوض ; وأنشد الرياشي في صفة نخل :


                                                          أسود كالليل تدجى أخضره     مخالط تعضوضه وعمره
                                                          برني عيدان قليل قشره

                                                          العمر : نخل السكر . قال أبو منصور : وما أكلت تمرا أحمت حلاوة من التعضوض ، ومعدنه بهجر وقراها . وفي الحديث أيضا : أهدت لنا نوطا من التعضوض . وقال أبو حنيفة : التعضوضة تمرة طحلاء كبيرة رطبة صقرة لذيذة من جيد التمر وشهيه . وفي حديث عبد الملك بن عمير : والله لتعضوض كأنه أخفاف الرباع أطيب من هذا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية