الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما رغب في العمل بمواعظه؛ وكان الوعد قد يكون لغلظ في الموعوظ؛ وكان ما قدمه في وعظه أمرا مجملا; رغب بعد ترقيقه بالوعظ في مطلق الطاعة؛ التي المقام كله لها؛ مفصلا إجمال ما وعد [ ص: 320 ] عليها؛ فقال: ومن يطع الله ؛ أي: في امتثال أوامره؛ والوقوف عند زواجره؛ مستحضرا عظمته؛ طاعة هي على سبيل التجدد؛ والاستمرار؛ والرسول ؛ أي: في كل ما أراده؛ فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك؛ لا سيما من بلغ نهايتها؛ فأولئك ؛ أي: العالو الرتبة؛ العظيمو الشرف؛ مع الذين أنعم ؛ أي: بما له من صفات الجلال؛ والجمال؛ عليهم ؛ أي: معدود من حزبهم؛ فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليها بسهولة؛ لا أنه يلزم أن يكون في درجاتهم؛ وإن كانت أعماله قاصرة؛ ثم بينهم بقوله: من النبيين ؛ أي: الذين أنبأهم الله بدقائق الحكم؛ وأنبؤوا الناس بحلائل الكلم؛ بما لهم من طهارة الشيم؛ والعلو؛ والعظم؛ والصديقين ؛ أي: الذين صدقوا أول الناس ما أتاهم عن الله؛ وصدقوا هم في أقوالهم؛ وأفعالهم؛ فكانوا قدوة لمن بعدهم؛ والشهداء ؛ أي: الذين لم يغيبوا أصلا عن حضرات القدس؛ ومواطن الأنس طرفة عين؛ بل هم مع الناس بجسومهم؛ ومع الله - سبحانه وتعالى - بحلومهم؛ وعلومهم؛ سواء شهدوا لدين الله بالحق؛ ولسواه بالبطلان؛ بالحجة؛ أو بالسيف؛ ثم قتلوا في سبيل الله؛ والصالحين ؛ أي: الذين لا يعتريهم في ظاهر ولا باطن - بحول الله - فساد أصلا؛ وإلى [ ص: 321 ] هذا يشير كلام العارف الشيخ رسلان؛ حيث قال: ما صلحت ما دامت فيك بقية لسواه؛ وقد تجتمع الصفات الأربع في شخص؛ وقد لا تجتمع؛ وأبو بكر - رضي الله (تعالى) عنه - أحق الأمة بالصديقية؛ وإن قلنا: إن عليا؛ وزيدا - رضي الله (تعالى) عنهما - أسلما قبله؛ لأنه - لكبره؛ وكونه لم يكن قبل الإسلام تابعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة لغيره؛ ولذلك كان سببا لإسلام ناس كثير؛ وأولئك كانوا سببا لإسلام غيرهم؛ فكان له مثل أجر الكل؛ وكان فيه - حين إسلامه - قوة الجهاد في الله - سبحانه وتعالى - بالمدافعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الأفعال الدالة على صدقه؛ ولملاحظة هذه الأمور كانت رتبتها تلي رتبة النبوة؛ ولرفع الواسطة بينهما؛ وفق الله - سبحانه وتعالى - هذه الأمة التي اختارها؛ بتولية الصديق - رضي الله (تعالى) عنه - بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ودفنه إلى جانبه؛ ومن عظيم رتبتهم تنويه النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر عمره بهم؛ فقال: "مع الرفيق الأعلى"؛ روى البخاري؛ في التفسير؛ عن عائشة - رضي الله (تعالى) عنها - قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا [ ص: 322 ] والآخرة".

                                                                                                                                                                                                                                      ؛ وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة؛ فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ؛ فعلمت أنه خير.


                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر أن المطيع مع هؤلاء؛ لم يكتف بما أفهم ذكرهم من جلالهم؛ وجلال من معهم؛ بل زاد في بيان علو مقامهم؛ ومقام كل من معهم؛ بقوله: وحسن ؛ أي: وما أحسن؛ أولئك ؛ أي: العالو الأخلاق؛ السابقون يوم السباق؛ رفيقا ؛ من "الرفق"؛ وهو لغة: لين الجانب؛ ولطافة الفعل؛ وهو مما يستوي واحده؛ وجمعه؛

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية