الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      باب التيمم بالصعيد

                                                                                                      432 أخبرنا الحسن بن إسمعيل بن سليمان قال حدثنا هشيم قال أنبأنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي وأعطيت الشفاعة ولم يعط نبي قبلي وبعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      432 ( حدثنا هشيم حدثنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله ) قال الحافظ ابن حجر : مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد ، وله شواهد من حديث ابن عباس وأبي موسى وأبي ذر وابن عمر رضي الله عنهم ورواها كلها أحمد بأسانيد جياد ، ويزيد هو ابن صهيب لقب الفقير لأنه [ ص: 210 ] شكا فقار ظهره ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمسا ) بين في رواية ابن عمر أن ذلك كان في غزوة تبوك ( لم يعطهن أحد ) زاد البخاري من الأنبياء ( قبلي ) زاد في حديث ابن عباس : لا أقولهن فخرا قال الحافظ ابن حجر : ومفهومه أنه لم يخص بغير الخمس ، لكن ورد في حديث آخر : فضلت على الأنبياء بست ، ووردت أحاديث أخر بخصائص أخرى ، وطريق الجمع أن يقال : لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي ، ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله ، ثم تتبع الحافظ من الأحاديث خصالا فبلغت اثنتي عشرة خصلة ثم قال : ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع ، ونقل عن أبي سعيد النيسابوري أنه قال في كتاب شرف المصطفى : إن الخصائص التي فضل بها النبي صلى الله عليه وسلم على الأنبياء ستون خصلة ، قلت : وقد دعاني ذلك لما ألفت التعليق الذي على البخاري في سنة بضع وسبعين وثمانمائة إلى تتبعها ، فوجدت في ذلك شيئا كثيرا في الأحاديث والآثار وكتب التفسير وشروح الحديث والفقه والأصول والتصوف ، فأفردتها في مؤلف سميته : أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب ، وقسمتها قسمين : ما خص به عن الأنبياء وما خص به عن الأمة ، وزادت عدة القسمين على ألف خصيصة ، وسار المؤلف المذكور إلى أقاصي المغارب والمشارق واستفاده كل عالم وفاضل ، وسرق منه كل مدع وسارق ( نصرت بالرعب ) زاد أبو أمامة يقذف في قلوب [ ص: 211 ] أعدائي ( وأعطيت الشفاعة ) قال ابن دقيق العيد : الأقرب أن اللام فيها للعهد ، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف ؛ ولذا جزم به النووي وغيره ، وقيل : الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل ، وقيل : الشفاعة في خروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان . قال الحافظ ابن حجر : والذي يظهر لي أن هذه مرادة مع الأولى ، وقد وقع في حديث ابن عباس : وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا وفي حديث ابن عمر : فهي لكم ولمن يشهد أن لا إله إلا الله فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة به في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد ، وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى ، لكن جاء التنويه بذكر هذه ؛ لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة ( وجعلت لي الأرض مسجدا ) زاد في رواية ابن عمر : وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم ، قال الخطابي : من قبلنا إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ( وطهورا ) في رواية مسلم : وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا ( وبعثت إلى الناس كافة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ) قال الحافظ ابن حجر : لا يعترض بأن نوحا كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد [ ص: 212 ] الطوفان ؛ لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه ، وقد كان مرسلا إليهم ؛ لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته ، وإنما اتفق بالحادث الذي وقع ، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس ، وأما نبينا فعموم رسالته من أصل البعثة ، فإن قيل : يدل على عموم بعثة نوح كونه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة ، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله - تعالى - : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقد ثبت أنه أول الرسل فالجواب أن دعاءه قومه إلى التوحيد بلغ سائر الناس لطول مدته ، فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب ، ذكره ابن عطية وقال ابن دقيق العيد يجوز أن يكون التوحيد عاما في بعض الأنبياء ، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما ؛ لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك ، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ، ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط ، وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم ، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام يشكل على هذا أن سليمان كان يسير في الأرض ويأمر بالإسلام كبلقيس وغيرها ويهددهم بالقتال ، وذلك دليل على عموم الرسالة مع أنه ما أرسل إلا إلى قومه قال والجواب أن معنى قولنا في رسالتهم خاصة أي في الواجبات والمحرمات ، أما في المندوبات فهم مأمورون أن يأتوا بها مطلقا ، وأما التهديد بالقتال الذي هو من خصائص الواجب في بادئ الرأي فلا نقول إنه من خصائصه ، بل العقاب في الدار الآخرة ، فأذن الله سبحانه له بالقتال على المندوب ، ولا يلزم اللبس لحصول الفرق بالعقاب ( تنبيه ) سقط من هذا الحديث الخصلة الخامسة ، وهي ثابتة في رواية الصحيحين وهي وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي وعلى هذا فقوله وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا خصلة واحدة لتعلقها بالأرض

                                                                                                      [ ص: 213 ]



                                                                                                      الخدمات العلمية