الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        192 - الحديث الثامن : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر . أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى . }

                                        وفي رواية { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر . أفأصوم عنها ؟ فقال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان ذلك يؤدي عنها ؟ فقالت : نعم . قال : [ ص: 409 ] فصومي عن أمك } .

                                        التالي السابق


                                        أما حديث ابن عباس : فقد أطلق فيه القول بأن أم الرجل ماتت وعليها صوم شهر . ولم يقيده بالنذر . وهو يقتضي : أن لا يتخصص جواز النيابة بصوم النذر .

                                        وهو منصوص الشافعية ، تفريعا على القول القديم ، خلافا لما قاله أحمد .

                                        ووجه الدلالة من الحديث من وجهين .

                                        أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحكم غير مقيد ، بعد سؤال السائل مطلقا عن واقعة يحتمل أن يكون وجوب الصوم فيها عن نذر . ويحتمل أن يكون عن غيره . فخرج ذلك على القاعدة المعروفة في أصول الفقه . وهو أن الرسول عليه السلام إذا أجاب بلفظ غير مقيد عن سؤال وقع عن صورة محتملة أن يكون الحكم فيها مختلفا : أنه يكون الحكم شاملا للصور كلها . وهو الذي يقال فيه " ترك الاستفصال عن قضايا الأحوال ، مع قيام الاحتمال : منزل منزلة العموم في المقال " وقد استدل الشافعي بمثل هذا

                                        وجعلها كالعموم .

                                        الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم علل قضاء الصوم بعلة عامة للنذر وغيره

                                        وهو كونه عليها . وقاسه على الدين . وهذه العلة لا تختص بالنذر - أعني كونها حقا واجبا - والحكم يعم بعموم علته . وقد استدل القائلون بالقياس في الشريعة بهذا ، من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قاس وجوب أداء حق الله تعالى على وجوب أداء حق العباد . وجعله من طريق الأحق . فيجوز لغيره القياس لقوله تعالى ( ) { واتبعوه } لا سيما وقوله عليه السلام " أرأيت " إرشاد وتنبيه على العلة التي هي كشيء مستقر في نفس المخاطب

                                        وفي قوله عليه السلام " فدين الله أحق بالقضاء " دلالة على المسائل التي اختلف الفقهاء فيها ، عند تزاحم حق الله تعالى وحق العباد ، كما إذا مات وعليه دين آدمي ودين الزكاة . وضاقت التركة عن الوفاء بكل واحد منهما . وقد يستدل من يقول بتقديم دين الزكاة بقوله عليه السلام " فدين الله أحق بالقضاء " .

                                        وأما الرواية الثانية : ففيها ما في الأولى من دخول النيابة في الصوم ، والقياس [ ص: 410 ] على حقوق الآدميين ، إلا أنه ورد التخصيص فيها بالنذر . فقد يتمسك به من يرى التخصيص بصوم النذر ، إما بأن يدل دليل على أن الحديث واحد . يبين من بعض الروايات : أن الواقعة المسئول عنها واقعة نذر .

                                        فيسقط الوجه الأول : وهو الاستدلال بعدم الاستفصال إذا تبين عين الواقعة ، إلا أنه قد يبعد لتباين بين الروايتين . فإن في إحداهما " أن السائل رجل " وفي الثانية " أنه امرأة " وقد قررنا في علم الحديث : أنه يعرف كون الحديث واحدا باتحاد سنده ومخرجه ، وتقارب ألفاظه . وعلى كل حال .

                                        فيبقى الوجه الثاني : وهو الاستدلال بعموم العلة على عموم الحكم . وأيضا فإن معنا عموما . وهو قوله عليه السلام { من مات وعليه صيام صام عنه وليه } فيكون التنصيص على مسألة صوم النذر ، مع ذلك العموم راجعا إلى مسألة أصولية . وهو أن التنصيص على بعض صوم العام لا يقتضي التخصيص . وهو المختار في علم الأصول . وقد تشبث بعض الشافعية بأن يقيس الاعتكاف والصلاة على الصوم في النيابة ، وربما حكاه بعضهم وجها في الصلاة . فإن صح ذلك فقد يستدل بعموم هذا التعليل .




                                        الخدمات العلمية